العموش: استمرار الحرب قد يوسعها وينقلها إلى العراق
قشوع: المرحلة الراهنة تحمل مؤشرات تفاوض أكثر من التصعيد
الخوالدة: الضربة الأمريكية نجحت 70 % في نطنز وأصفهان وفشلت في فوردو
مي الكردي
بعد أكثر من أسبوع على بدء الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، حسمت الولايات المتحدة موقفها بوضوح، متجاوزة مرحلة التهديدات والرسائل السياسية، لتقوم فجر الأحد بقصف ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية، في تصعيد خطير أعاد خلط الأوراق في المنطقة، وسط حالة من الترقب لعواقب لم تتضح معالمها بعد.
وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن القوات الأميركية أسقطت "حمولة كاملة من القنابل" على منشأة فوردو النووية، معلنًا أن الموقع "انتهى بالكامل". وأشارت تقارير عالمية إلى أن إيران كانت قد أفرغت منشآتها من المواد النووية قبيل الضربة، تجنبًا لكارثة بيئية محتملة.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست أن صور أقمار صناعية بتاريخ 19 حزيران (يونيو)، أظهرت نشاطًا غير معتاد في منشأة فوردو، مع حركة مكثفة للشاحنات والمركبات قبل يومين من الضربة الأميركية، ما يعزز فرضية علم إيران المسبق بالهجوم.
وقالالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، خلال مقابلة برنامج "ذا ديلي شو" على قناة "كوميدي سنترال"، إن ضربة ترمب لإيران كانت من باب المجاملة لنتنياهو ولا داعي لها، كاشفًا أن ترمب أبلغ الإيرانيين بالضربة قبل وقوعها من باب أنه يريد من الإيرانيين تمريرها له، وأنه أبلغ بصورة مباشرة نتنياهو وقيادات أمريكية بأنه فعل ما عليه وأنه يرفع يده عن الأمر.
وقال إن إيران أفرغت كل المنشآت النووية من اليورانيوم المخصب ومن الأجهزة الأخرى قبل نحو شهر تقريبًا، وأن فِعلة ترمب دعاية له ولأنصار اللوبي الصهيوني في واشنطن.
ومن الجانب الاقتصادي، يتكبد طرفا الصراع – إيران وإسرائيل – خسائر فادحة، إذ تشير التقديرات إلى أن الحرب تكلّف إسرائيل أكثر من 200 مليون دولار يوميًا، وسط حالة من الشلل الاقتصادي. أما إيران، فتواجه انهيارًا جديدًا في عملتها تجاوز 15% وفق موقع "بونباست"، في ظل عقوبات خانقة، واحتياجها لسعر نفط يتجاوز 163 دولارًا للبرميل لتغطية نفقاتها العامة، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو ضعف السعر العالمي الحالي.
تحذير من اتساع رقعة الحرب
وفي هذا السياق، قال الوزير والسفير الأردني الأسبق في إيران، الدكتور بسام العموش، إن طهران تسعى لامتلاك السلاح النووي رغم تصريحاتها المتكررة باستخدامه لأغراض سلمية، مضيفًا أن الغرب وإسرائيل يرفضان بشدة امتلاك إيران لهذا النوع من السلاح، في حين "يحتكرانه لأنفسهم"، بحسب تعبيره.
وأضاف: "لو كانت الدول النووية صادقة في نواياها، لجعلت العالم بأسره خاليًا من هذا السلاح".
وحذر العموش من اتساع رقعة الحرب وانتقالها إلى العراق، بفعل الدعم الأميركي المتواصل لإسرائيل، مشيرًا إلى أن التصعيد يخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى.
وعن التداعيات الاقتصادية، أوضح أن الحروب تؤدي عادة إلى تراجع العملات، وتفاقم الدين العام، وتباطؤ التجارة، وهروب الاستثمارات، وانكماش السياحة، فضلًا عن ارتفاع أسعار النفط، وهو ما ينعكس سلبًا على المستهلكين في جميع أنحاء العالم.
وتابع أن الدول غير النفطية ستكون الأكثر تضررًا من تداعيات التصعيد، فيما ستجد الدول النفطية غير الصناعية نفسها أمام تحديات جديدة، خاصة إذا تم توجيه الفوائض النفطية نحو صفقات التسلح، بدلًا من التنمية.
ورأى العموش أن الصين وروسيا ستتأثران من الضربة الأميركية لإيران بدرجات متفاوتة، رغم أنهما ليستا طرفًا مباشرًا في النزاع.
ما بعد التصعيد العسكري
من جانبه، رجّح الوزير والخبير السياسي حازم قشوع، أن يعقب التصعيد العسكري الأخير تحركات تفاوضية حثيثة، خاصة مع تقارير عن تفاهمات سابقة بين الدبلوماسية الإيرانية والأوروبية.
وقال قشوع إن التصريحات الإيرانية عقب الضربة، وتحديدًا من وزير الخارجية عباس عراقجي، تُظهر رغبة واضحة في استثمار "المُعطى الأخير" لصالح طهران على طاولة التفاوض، مستشهدًا بتصريح ترامب بأن "المهمة أُنجزت"، وتعقيب نتنياهو بأن "الهدف تحقق"، في إشارة إلى أن الطرفين يحاولان إغلاق جولة التصعيد الحالية.
وأكد أن المشهد الإقليمي يتجه نحو مسار تفاوضي أكثر من كونه تصعيدي، مرجّحًا تدخل فرنسا أو أطراف أوروبية أخرى لدفع عجلة التهدئة، ومنع تفاقم الأوضاع.
وفي رده على الجدل حول ما إذا كانت إيران قد علمت مسبقًا بالضربة الأميركية، أوضح قشوع أن الإعلان المسبق عن بعض التحركات العسكرية أمر مألوف، وهو ما يُفسّر تفريغ المنشآت النووية من المواد الخطرة، تفاديًا لكارثة بيئية.
وختم قشوع بأن الضربة الأميركية أوقفت فعليًا عملية زيادة تخصيب اليورانيوم، دون أن تطال الكميات المخصبة الموجودة أصلًا، والتي يُعتقد أن إيران نقلتها إلى مواقع آمنة، خشية التسرب أو التلوث النووي الذي قد تكون عواقبه وخيمة.
الضربات الأميركية.. نجاح جزئي وفشل واضح في فوردو
من جهته، قدّر الخبير العسكري اللواء هلال الخوالدة نسبة نجاح الضربات الأميركية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية بنحو 70% في موقعي "نطنز" و"أصفهان"، مستثنيًا منشأة "فوردو" التي تقع داخل منطقة جبلية وعلى عمق يزيد عن 80 مترًا، في حين أن القنابل الأميركية المُستخدمة لا تتجاوز قدرتها على الاختراق عمق 61 مترًا قبل الانفجار، ما جعل الضربة هناك دون جدوى.
وأشار الخوالدة إلى أن الضربة الأميركية لمنشأة "فوردو" لم تحقق أهدافها، مستدلًا على ذلك بإعادة استهدافها من قبل إسرائيل يوم أمس (الاثنين)، رغم إعلان الإدارة الأميركية سابقًا عن "تدميرها". وطرح تساؤلات حول فاعلية التحرك الأميركي، خاصة بعد استمرار النشاط العسكري ضد المنشأة.
وبيّن أن نسبة الفشل في استهداف "فوردو" كانت مرتفعة، بينما تقديرات النجاح في نطنز وأصفهان لم تتجاوز 70%. ورأى أن الولايات المتحدة اكتفت مؤخرًا بالتدخل المحدود، وفسحت المجال أمام إسرائيل لاستكمال المهمة من خلال استهداف المطارات، والقدرات العسكرية المدنية، والمنشآت الاقتصادية الإيرانية.
إسرائيل وتكتيك الضربات التدريجية
ونوّه الخوالدة إلى الاستراتيجية التدريجية التي تتبعها إسرائيل في عملياتها، مستفيدة من سيطرتها على المجال الجوي، ما يجعل من الصعب على الدفاعات الجوية الإيرانية التصدي لتلك الضربات. وأوضح أنه تم تدمير 6 مطارات إيرانية خلال الأيام الماضية بهدف إضعاف القدرة على الرد، مشيرًا إلى أنه لو كانت الضربات قد حققت أهدافها بالكامل، لتوقفت العمليات العسكرية.
وأضاف أن استمرار إطلاق الصواريخ الإيرانية حتى اليوم، يدل على أن الأهداف الرئيسية للحرب لم تتحقق بعد، وتتمثل في إضعاف البرنامج النووي، وتدمير القدرات الصاروخية، والنيل من تماسك النظام الإيراني.
إيران: مشروع صاروخي في تصاعد
ولفت إلى أن القدرات الصاروخية الإيرانية آخذة بالازدياد، وتشمل أنواعًا متعددة قادرة على مراوغة الدفاعات الجوية والوصول إلى أهدافها. وأشار إلى ما كتبه الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان في صحيفة هآرتس، مؤكدًا أن "النظام المتشدد في إيران، المستند إلى إرث حضاري فارسي طويل، أبدى صمودًا وإصرارًا على تحمّل الضربات دون الاستسلام".
دروس من حرب الثمانينات
واستعاد ميلمان في مقاله تجربة الحرب العراقية الإيرانية، حين ظن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أن بإمكانه إسقاط النظام الإيراني الجديد خلال أيام، بعد سقوط الشاه وصعود الخميني. إلا أن الحرب استمرت ثماني سنوات وأودت بحياة نحو مليون شخص من الجانبين. وبيّن ميلمان أن إيران – رغم افتقارها للدفاعات الجوية حينها – تعرضت لعشرات آلاف القذائف والغارات الجوية العراقية، وحتى استخدام الأسلحة الكيماوية، ومع ذلك صمدت.
وكشف أن أحد أهم الدروس التي خرجت بها طهران من تلك الحرب هو ضرورة بناء ترسانة صاروخية متقدمة، وهو ما تحقق لاحقًا وأكسبها بُعدًا استراتيجيًا في أي مواجهة.
تكتيك جديد: ضربات دقيقة ومحدودة
وأوضح الخوالدة أن إيران باتت تعتمد استراتيجية جديدة في الرد على إسرائيل، عبر رشقات صاروخية أقل عددًا وأكثر دقة، وباستخدام رؤوس متفجرة عالية التأثير وتقنيات متقدمة، في ظل مخاوف من استنزاف مخزونها الصاروخي.
فوردو: العمق يتفوق على التقنية
وفي ما يتعلق بمنشأة فوردو، أشار الخوالدة إلى أن أجهزة الطرد المركزي فيها موزعة على أعماق يصعب استهدافها، وأن "اليورانيوم المخصّب" تم نقله إلى مواقع آمنة بفضل الجغرافيا الواسعة لإيران. وأضاف أن القنابل الأميركية "خارقة التحصينات" لم تُحدث أي إشعاعات نووية يمكن تتبعها، ما يدل على محدودية تأثيرها.
واشنطن وطهران.. ضبابية في العداء وتاريخ من التفاهمات
ولم يُبدِ الخوالدة استغرابه من تصريحات الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، التي قال فيها إن إدارة ترامب أبلغت الإيرانيين مسبقًا بالضربات الأميركية، مستشهدًا بحادثة اغتيال قاسم سليماني، عندما أعلن ترامب بنفسه أنه اتفق مع الإيرانيين على إطلاق مجموعة صواريخ بشكل رمزي على محيط قاعدة أميركية في العراق.
واعتبر أن تصريح ترامب عقب الضربات الأخيرة، بأن "علينا أن نعيد إيران إلى مجدها"، يحمل دلالة على رغبة واشنطن في الضغط على طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات والتركيز على إصلاح الاقتصاد.
إيران تتجنب الاصطدام المباشر بأميركا
وختم الخوالدة بالقول إن إيران لا تنوي استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، بل ستواصل عملياتها ضد إسرائيل فقط، لافتًا إلى أن ردود إيران عادة ما تتسم بالبطء والتخطيط بعيد المدى، كما حدث سابقًا بعد استهداف سفارتها، حيث استغرق ردها قرابة شهر.
وشدد على أن إيران تخشى الانزلاق في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وهو ما تسعى إسرائيل إليه صراحة. ورجّح أن الضربة الأميركية كان يُفترض أن تكون عاملًا لإنهاء الحرب، إلا أن تل أبيب مستمرة في إضعاف النظام الإيراني.
وأشار إلى أن كلا الطرفين – إسرائيل وإيران – باتا يعوّلان على الضغط الشعبي الداخلي لتحقيق أهدافهما؛ فإسرائيل تراهن على الشارع الإيراني لإسقاط النظام، بينما تراهن طهران على الشارع الإسرائيلي لإسقاط حكومة نتنياهو.