ترشيحه للجائزة يجسد المأزق الأخلاقي للنظام العالمي
المشاقبة: السلام لا يُصنع بالاعتداء على دولة ذات سيادة
الشوبكي: ترشيح ترامب يثير تساؤلات حول معايير الجائزة
الطماوي: تحول بفلسفة نوبل من صانعي السلام إلى مهندسي الردع
الأنباط – رزان السيد
رغم تصعيده العسكري في الشرق الأوسط وسياسته الخارجية المثيرة للجدل ومشاركته في الحرب على ايران، عاد اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الواجهة مجددًا، ولكن هذه المرة من بوابة "السلام"، بعد أن أعلنت باكستان التي كانت من اوائل الدول التي أدانت عدوانه على مواقع ايرانية لأسباب غامضة، ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام.
هذه الخطوة المفاجئة أثارت عاصفة من التساؤلات حول مدى اتساق السلوك السياسي والعسكري والأخلاقي لترامب مع معايير الجائزة، التي لطالما ارتبطت بصانعي الوفاق والمبادرات الدبلوماسية، لا بقادة الاعتداءات العسكرية.
ويرى مراقبون أن ترشيح ترامب، رغم سجله الصاخب في ملفات التصعيد والتدخلات الإقليمية، يعكس تحولات مفاهيمية في النظرة العالمية لمفهوم السلام، الذي بات في بعض الأحيان مرتبطًا بـ"الردع" و"القوة"، بدلاً من الحوار وبناء الثقة.
لا يستحق حتى مجرد الترشيح
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور أمين المشاقبة أن "من يدّعي السعي لنيل جائزة نوبل للسلام، عليه أولًا أن يعمل على إشاعة السلام، لا إشعال الحروب، وأن يحترم القانون الدولي، لا أن يعتدي على دول مستقلة وذات سيادة".
وفي حديثه لـ"الأنباط"، شدد المشاقبة على أن السلوك السياسي والعسكري لترامب لا يؤهله لنيل جائزة بهذا الحجم من التقدير العالمي، لافتًا إلى أن الحرب المستمرة في أوكرانيا، وحرب الإبادة في غزة، والضربات الأميركية التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني، كلها تتعارض مع جوهر "نوبل للسلام".
وأضاف: "من يريد السلام فعلًا، عليه أن يعمل على وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لا أن يكتفي بالتصريحات. برأيي، لا يستحق ترامب حتى مجرد الترشيح لهذه الجائزة. ولكن يبدو أن هذا هو زمن الهيمنة الأميركية الصهيونية، حيث كل شيء ممكن—evenلو كان مناقضًا للمنطق والعدالة".
ترشيح يثير علامات استفهام
من جهته، اعتبر المحلل الأمني والسياسي محسن الشوبكي أن إعلان باكستان ترشيح ترامب للجائزة، استنادًا إلى دوره في "تهدئة التوتر بين باكستان والهند"، يطرح تساؤلات حقيقية حول المعايير التي تستند إليها لجنة الجائزة. خاصة أن الهند نفسها نفت وجود أي تدخل مباشر أو تأثير فعلي لترامب في هذا الملف.
وأشار الشوبكي في حديثه لـ"الأنباط" إلى أن ترامب تبنى منذ توليه الرئاسة شعار "القوة تصنع السلام"، معتمدًا على هيمنة أميركا كوسيلة لفرض الاستقرار، وهو ما انعكس في تصريحاته المثيرة، مثل دعواته لضم دول وتهديداته العلنية، فضلًا عن سياساته المتشددة ضد المهاجرين واحتجازهم في معسكرات تمهيدًا لترحيلهم.
وأكد أن إدارة ترامب دعمت الكيان الإسرائيلي بلا حدود، خاصة خلال حرب غزة، حيث رفضت واشنطن قرارات أممية تدعو إلى وقف العمليات العسكرية، واستخدمت المساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي وأمني.
وأضاف أن "الأخطر من ذلك هو استمرار تزويد الكيان الصهيوني بأسلحة فتاكة ساهمت في تصعيد حرب الإبادة، إضافة إلى القصف الأميركي لمواقع إيرانية بمشاركة إسرائيلية، ما ينذر بمزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة".
وفي ظل هذه المعطيات، يرى الشوبكي أن مجرد قبول ترشيح ترامب يفتح الباب لتساؤلات جوهرية حول طبيعة ترشيحات نوبل، ودوافعها، ومدى استقلاليتها عن التوجهات السياسية العالمية.
تحوّل فلسفي خطير بمفهوم "نوبل"
أما المحلل السياسي الدكتور محمد الطماوي، فرأى أن ترشيح ترامب بالتزامن مع قيادته لضربات عسكرية استهدفت منشآت نووية في إيران، يكشف مفارقة عميقة تتجاوز حدود الدهشة، قائلًا: "هل أصبح السلام يُكافأ على أساس الردع بالقوة؟"
وأضاف في حديثه لـ"الأنباط": "من السطح، يبدو التناقض صارخًا: رئيس يصعد عسكريًا في الشرق الأوسط، ويقحم العالم في شبح مواجهة نووية، ثم يُرشح لجائزة السلام. لكن عند تفكيك المشهد، يتضح أن هذا التناقض يمثل سردية ترامب السياسية، التي تقدم السلام على أنه نتيجة للهيمنة، لا الحوار".
وأوضح أن أنصار ترامب يرون تحركاته جزءًا من "السلام الوقائي"، أي استخدام القوة لردع الخصوم وإجبارهم على الحوار من موقع ضعف، لكن من منظور أخلاقي ومبدئي، فإن "نوبل" لم تُمنح تقليديًا لمنطق "الضرب أولًا، فالحوار لاحقًا"، بل لمن يبنون الثقة ويقودون المصالحات.
وأشار إلى أن باكستان، الدولة التي رشحته، تعيش توترًا مزمنًا مع الهند، وهي قوة نووية، ما يجعل الترشيح يبدو وكأنه تحرك سياسي ضمن اصطفافات إقليمية، لا تقييم موضوعي لمفاهيم السلام.
وختم الطماوي قائلًا: "إن فاز ترامب بالجائزة، فذلك سيعني تحولًا في فلسفة نوبل من تكريم صانعي المصالحة، إلى مكافأة مهندسي الردع. أما التناقض بين ضرب إيران والسعي لنيل نوبل، فلا يعكس ازدواجية فقط، بل يجسد المأزق الأخلاقي الذي يواجهه النظام الدولي، في زمن تُقنّع فيه القوة باسم السلام".