معادلة الأردن الأمنية الجديدة

نبض البلد -

حاتم النعيمات

 

في الأردن، لدينا معادلتنا الخاصة في التفاعل مع الصراع الدائر الآن في المنطقة، رغم محاولات البعض لجعلنا جزءًا من معادلات الآخرين، وقد أثبتت الدولة الأردنية أنها تملك مستوىً جيدًا من القدرة على توقّع التغيرات والأزمات والتأقلم معها، وهذا ما ظهر من خلال الموقف السياسي الأردني الذي رفض أن تكون البلاد ساحة حرب لأي طرف من الأطراف، ومن خلال التعامل مع مشاريع تصفية القضية الفلسطينية على حسابنا.

 

على الصعيد الداخلي، فقد كان استشراف تقلبات المنطقة واضحًا من خلال عناوين مهمة، أهمها: رفع الجاهزية النوعية للقوات المسلحة الأردنية من خلال تعزيز القدرات القتالية الحديثة لكافة الاختصاصات، وإنشاء المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، الذي كان له الأثر الكبير في إيجاد مرجعية عمل علمية فنية للتنسيق بين أجهزة الدولة لإدارة أي أزمة. كما كان لقرار دمج مديرية الدفاع المدني والدرك والشرطة الأثر الكبير في رفع مستوى التنسيق بين هذه الأجهزة.

 

القصد أن كثرة الأزمات المحيطة ساهمت في تطوير مؤسسات الدولة الأردنية بشكل كبير، وأسسَت لحالة من المناعة والرسوخ نحتاجها للتعامل مع منطقة مجنونة لا يمكن التنبؤ بها، وباعتقادي أن هذا التطور المُلفت يحتاج لأن يُبنى عليه من ناحية الاتصال مع الرأي العام الأردني، الذي لا يزال جزءٌ منه يرى في هذه الاستعدادات والتجهيزات ترفًا ومبالغات لا داعي لها.

 

نظرية الأمن عند هذا الجزء من الرأي العام كانت تتلخّص في دعم ميليشيات وجماعات معادية لإسرائيل، وفي الانضمام لما سُمّي محور المقاومة، ولهذه النظرية جذور نعرفها كأردنيين، لا أرغب في التوسع في نقاشها وسأكتفي بذكر أساسها المتمثل في أن هذا الجزء من الرأي العام تربّى على أن هذا البلد لا يستحق الوجود، وأن وجوده يمنع تحرير فلسطين، لذلك فيجب أن يكون رصاصة في بندقية أي طرف "يُعتقد” أنه معادٍ لإسرائيل، حتى لو كان هذا الطرف ميليشيا.

 

أصبح لدينا في الأردن معادلتنا الأمنية الخاصة، ولم نعد نحتاج للاستئناس برأي أي طرف أو تيار في تحديد أعدائنا أو أصدقائنا، وهذا لا يعني أبدًا أن ننسلخ عن محيطنا العربي، بقدر ما يعني أن يُعاد تشكيل المنظومة العربية كاملة بمركزية أردنية لمواجهة تغيّرات المنطقة وغطرسة إسرائيل المحتملة. نريد البناء على هذا التطور بشكل جدي اليوم، فالأردن يستحق أن يتحول كل هذا الصمود إلى مكاسب واضحة تنمويًا واقتصاديًا وإداريًا.