إيران واسرائيل.. من الأقوى سياسيًا واقتصاديًا

نبض البلد -

طوالبة: "إسرائيل" تتحرك بـِ ٢٢كم٢ و إيران بمليون و٦٠٠ الف كم٢

أبو ديه: إيران استعدت وأعدت موازنة مُسبقة للحرب بسبب التهديدات المسبقة

الأنباط ـ مي الكردي

"الحرب واقع ينطلق من مساحة جغرافية وحقيقة وجودية تنافسية، مرتكزةً بقوة اقتصادية عسكرية قادرة على الاستمرارية".. استهلال لا بد منه لمقارنة الواقع السياسي الاقتصادي للحرب التصاعدية بين الكيان الصهيوني وإيران في المنطقة.

يأتي منطلق الحرب من توجس "اسرائيل" من وصول ايران الى نقطة امتلاك سلاح نووي ينافسها قوةً في المنطقة، ليرسم التاريخ والحالة الاقتصادية لحظة مفصلية حاسمة لكلا الطرفين في الحرب الدائرة بينهما.

ويوضح الخبير السياسي الدكتور عبدالله طوالبة، عند النظر للتصعيد الحاصل في المنطقة ما بين ايران والكيان الصهيوني، فان ايران تعتبر دولة طبيعية خلافًا لحقيقة الكيان من الناحية الوجودية، اذّ يُشكل الكيان اليوم خطرًا وجوديًا على المنطقة العربية، مُستدلاً بذلك بأن الكيان الصهيوني زُرع بخلاف المنطق والتاريخ والجفرافيا في فلسطين.

واشار طوالبة الى الفكرة الوجودية للكيان في المنطقة والتي تتمحور بتقسيم واضعاف المنطقة وحرمانها من الاستقرار، والذي انبثق عن مؤتمر "كامبل بنزمان" 1905-1907 في العاصمة البريطانية لندن، موضحًا ان المهمة الاساسية التي نتجت عن هذا المؤتمر بما يخص المنطقة العربية أوكلت الى الكيان الصهيوني.

وأفاد بأن المطلب الأساسي والذي يتعين على إيران اليوم وفق اعدائها هو تفكيك برنامجها النووي، نظرًا لحالة الهوس الوجودي الذي يسود الحكومة الصهيونية بزعامة بنيامين نتنياهو، موضحًا أن الكيان يعتقد انه بحربه مع إيران انه يخوض معركة فاصلة.

التاريخ يُعيد نفسه

وتُشير التقديرات الى امتلاك الكيان أكثر من 200 رأس نووي، وتتلخص الرغبة الصهيونية بتفكيك البرنامج النووي الذي تعمل عليه طهران كما جرى اجبار ليبيا سابقًا اثناء فترة حكم "معمر القذافي" بحسب طوالبة.

واستطرد أن ذلك ينبع من حظر فكرة امتلاك اي دولة اسلامية في المنطقة عناصر القوة التي قد تهدد أمن الكيان، الذي يعد خطرًا وجوديًا على المنطقة كلها.

الكيان غير مؤهل للحرب بدون الدعم الأمريكي

وأوضح ان الكيان الصهيوني دون الدعم الأمريكي غير مؤهل لمحاربة اي دولة او جبهة، حيثُ يحارب الكيان بالسلاح الأمريكي وبالدعم الغرب الاطلسي المفتوح سياسيًا وعسكريًا وماليًا، مُشددًا عدم استطاعة الكيان بقدراته الذاتية على خوض الحروب.

واستدل طوالبة بذلك على حرب أكتوبر 1973، وذلك عندما هاجمت القوات المصرية والسورية الكيان الصهيوني، حيثُ ورد في مذكرات وزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسنجر" أنه لولا الجسر الجوي الذي مدته الولايات المتحدة لانتهت اسرائيل، مُشددا أن الكيان لا يتحمل ضرب عسكري قوي.

ونوه الى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خضم التصعيد بين إيران واسرائيل "بأن اسرائيل تُبدي بلاءًا حسنًا للغاية، وقدمنا الكثير الكثير لهم" الأمر الذي يؤكد الدعم اللامتناهي للكيان لِـ ابقائه على قيد الحياة داخل المنطقة.

واضاف ان ترامب قالها عنوةً أن إيران لن تربح الحرب وعليها التواصل معنا قبل فوات الاوان، مُفسرًا أنها مفاوضات امريكية بالنار مع ايران عن طريق اسرائيل، لإرغامها على تفكيك البرنامج النووي.

الجغرافيا والمقاييس الحربية

وبمختصر واقعي وجغرافي للحرب الدائرة بين "إسرائيل" وايران، يُشير د. طوالبة إلى المساحة الجغرافية التي تتحرك بها إسرائيل والبالغة ٢٢كيلو متر مربع بينما تتحرك إيران بمليون و٦٠٠ الف كيلو متر مربع، إلا أن الاختراق الأمني الكبير في الواقع الإيراني يُعد من أبرز العقبات في الحرب الحالية.

وأوضح أنه في حال رضخت إيران بوقف الحرب أولاً فهذا يعني بدء تنفيذ الشروط الأمريكية الإسرائيلية، والمتمثلة بتفكيك البرنامج النووي وتقديم التنازلات، واصفًا تقديم التنازلات بتدحرج "كرة الثلج" متى ما بدأت فإنها لن تتوقف.

باكستان تغير المعادلة

وتطرق طوالبة إلى إعلان باكستان عن احتمالية تدخلها في هذه الحرب لحسابات تفسر أن الدور سيأتي عليها بعد هزيمة ايران وذلك لا يتماشى مع مصلحتها، لافتًا أنه في المواجهة الأخيرة بين باكستان والهند هُزمت الهند، بتكنولوجيا حربية صينية، ولن يُغفر الأمر لـِ باكستان.

وركز على الانعكاس المترتب في حالة هزيمة إيران عقب الضرر الملحق في حزب الله وقطاع غزة وسقوط نظام الأسد، اذّ يعني ذلك أن المنطقة وقعت في الفم الصهيوني مباشرة.

ولفت إلى إمكانية إيران الاقتصادية من خلال علاقاتها مع كُبرى الدول الصين وروسيا، التي لا يستبعد دخولها في المرحلة المقبلة لتهدئة الصراع الحالي بين الجانبين، مُبررًا أن الدول تحركها المصالح وهي ليست جمعيات خيرية.

وحول العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، يوضح أن هذه اللغة "العقوبات" عند الشعوب التي تمتلك إرادة لا تُجدي نفعًا، موضحا أن روسيا أكثر دولة في التاريخ فُرض عليها عقوبات بعد عملياتها العسكرية في أوكرانيا بواقع ٢٠.٠٠٠ عقوبة.

الكُلفة الاقتصادية

من الناحية الاقتصادية يرى الخبير الاقتصادي منير ابو ديه، أن تداعيات الصراع الإيراني الاسرائيلي قد تنعكس بشكل سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي متوقعا ان إيران هي الرابح الاكبر ، موضحا أن الاقتصاد الإسرائيلي يعاني منذ ١٨ شهرًا اي من 7 أكتوبر ٢٠٢٣ بسبب عدوانه على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، واليمن.

ويشير ابو ديه إلى الضربات الصاروخية المتتالية التي تعرض الاقتصاد الصهيوني لها من عدة جبهات لبنان، اليمن، قطاع غزة واخيرًا إيران والتي بدورها أدت إلى هروب المستثمرين وخلق حالة من انعدام الأمن، فضلاً عن استدعاء أكثر من 400 الف من جنود الاحتياط ممن يعملون في مصانع والاقتصاد، مُبينًا أنه وبحسب التوقعات تجاوزت كلفة الحرب التي تشنها إسرائيل تجاوزت 100مليار دولار على قطاع غزة.

ولفت إلى عجز الموازنة في الاقتصاد الصهيوني التي تأتي في ظل توقف الاستثمارات الأجنبية وهروب المستثمرين وتوقف إنتاج الغاز بسبب التخوفات الأمنية، علاوةً عن زيادة الإنفاق العسكري والخسائر في الصناعة العسكرية.

الحوثيين والحصار البحري

واشار ابو ديه إلى الحصار البحري الذي فرضته جماعة الحوثي على السفن المتجهة إلى إسرائيل مجبرةً على تغير سلوكها البحري والعبور من طريق رأس الرجاء الصالح، مسببًا تكلفة باهظة للواردات إلى الكيان الصهيوني والصادرات.

ونوه إلى التراجع في سوق الأسهم داخل تل ابيب وكبرى الشركات، اذّ تلقى قطاع تكنولوجيا المعلومات ضربة قاسية جراء الصواريخ الإيرانية والذي يُعد من اقوى القطاعات الاقتصادية للكيان الصهيوني.

كما طالت الآثار الاقتصادية قطاع الزراعة التابع للكيان الصهيوني نتيجة العدوان على قطاع غزة، مُبينًا أن المناطق المجاورة للقطاع تأثرت بشكل كبير بسبب مغادرة العمالة في المزارع، اذّ يزود غلاف غزة الكيان بالمنتجات الغذائية والحيوانية الأمر الذي أدى الى ارتفاع مستويات التضخم في الكيان الصهيوني، بحسب ابو ديه.

وتابع أن الكيان الصهيوني اليوم يخوض حرب استنزاف مع إيران، ما يعني توقف العمل في كثير من القطاعات، اذّ يشهد الكيان حالة اغلاق وتعطل واسع النطاق للمصانع والشركات.

شلل اقتصادي

ويشهد الاقتصاد الصهيوني حالة من الشلل برؤية ابو ديه، تتمثل بتوقف الحركة الجوية في مطار "بن غوريون"، والقطاع السياحي المدمر والمتوقف منذ أكثر من سنة ونصف، مُبينًا ان الاقتصاد الصهيوني يعاني بشكل حاد من تراجع الإيرادات وسط انعدام الأمن الذي قد يجبر مئات الآلاف.

إيران أعلى كلفة اقتصاديًا

وأوضح أن مستوى الحرب بين إسرائيل وايران لا يُقارن بالعدوان على قطاع غزة، نظرًا إلى أنها حرب بين كيان ودولة تمتلكبرنامج نووي ومخزون عالي من الصواريخ والأسلحة، مما ينذر من حرب استنزافية ومكلفة وقد تكون طويلة .

وأشار إلى عشرات الآلاف من طلبات التعويض التي انهالت على مصلحة الضرائب الإسرائيلية، مما سيزيد من تكلفة إعادة البناء، لافتًا إلى شدته على صعيد المنشآت الاقتصادية، النفطية، والعسكرية والخسائر الفادحة التي يتلقاها الكيان الصهيوني في حربه مع إيران.

ولفت أبو ديه إلى الإنفاق العسكري الضخم الذي يحتاجه الكيان في مواجهته مع إيران من صواريخ وطائرات قاتلة قادرة على الوصول لإيران، مُوضحًا أن كلفة الحرب مع إيران تختلف عن كلفة حربها في قطاع غزة وجنوب لبنان واليمن وهي باهظة أكثر بكثير من سابقها.

إيران تحضرت مُسبقًا

وعلى الصعيد الإيراني، ووجه ابو ديه أن إيران اخذت كافة احتياجاتها في حربها ضد الكيان الصهيوني نتيجة ضغط العقوبات الاقتصادية، حيثُ تُعد إيران دولة نفطية بإنتاج نفطي يزيد عن 60 مليار سنويًا، لافتًا إلى احتمالية إعدادها موازنة مسبقة للحرب الحالية بسبب التهديدات المسبقة لها من قبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.

وترتبط إيران بعلاقات قوية مع (العراق، باكستان، تركيا، الصين، وروسيا)، فضلاً عن المنافذ البحرية المطلة على الخليج، بحسب ابو ديه، مؤكدًا قدرة الاقتصاد الإيراني على الصمود والتحمل خِلافًا للاقتصاد الصهيوني الذي بُنيّ على الأمن وعدم قدرته على مواجهة الحروب المفتوحة والحصار الاقتصادي.

وشدد على التحديات الاقتصادية التي ستعصف بالكيان الصهيوني ، معتبرًا أنها اكبر من التي ستترتب على الاقتصاد الإيراني، حيثُ تقوم ايران بحرب استنزافية مع الكيان لوضعها في ظروف اقتصادية، عسكرية، امنية اجتماعية، وسياسية صعبة بهدف الضغط عليها لخسارة الحرب أمام إيران، مؤكدًا أن الكيان الصهيوني يحتاج إلى وقف إطلاق النار والتسوية بصورة اكبر من إيران.