إلى أين يقود اليمين المتطرف المنطقة...

نبض البلد -
إلى أين يقود اليمين المتطرف المنطقة...

النتن ياهو يجمع بين البراغماتية والسياسة والتوجهات الايديولوجية هو لديه رؤية شخصية توراتية، ولكنه براغماتي يسعى لتحالفات واقعية تدعم وجوده وسياساته التي يمارسها منذ حوالي ربع قرن، هو لديه رؤية توراتية قائمة على يهودية الدولة، ورفض التسوية مع الفلسطينين، ورفض عودة اللاجئين، ورفض أوسلو من حيث المبدأ، مع انه كان من الموافقين على الإنسحاب من غزة، وبعد ذلك عدل موقفه ليتناسب مع الموقف الشعبي الرافض، وخاصة تلك الفئة التي ينتمي إليها وهي اليمين، وهنا نركز على التجاذب الكبير بين اليمين واليسار العلماني، والذي هو رغم علمانيته يتفق مع اليمين في يهودية الدولة، والحل مع العرب بدون اعطاء الفلسطينين حقوقهم، والتفوق العسكري على الجميع.

وهنا يظهر تماما ان النتن ياهو هو يميني براغماتي، وهو متحالف مع شاس ويهدوت هتوراة وعوتسما يهوديت بقيادة ايتمار بن غفير، ليحقق مصالحه في البقاء في السلطة، ويسعى لتمرير القرارات التي ترضيهم، والمتعلقة بتوسيع الإستطان، وزيادة العنف ضد الفلسطينين، وتقييد صلاحيات المحكمة العليا، وهنا نحن نتعامل مع يمين ينقسم إلى ثلاث مستويات، الأول هو قومي أمني صهيوني محافظ، ولكنه يطرح ذلك بمراعاة لخطاب الكراهية، ويسعى بطرق أقل خشونة لتنفيذ رؤيته وهو النتن ياهو، والثاني هو يسعى لفرض اليهودية على الحياة العامة في كل فلسطين تدريجيا، وطرد الفلسطينين سموتريتش وجماعته، والثالث هو يمني متطرف من أتباع كهانا، يؤمن بالموت للفلسطينين وطرد الباقي طبعا وهو إيتمار بن غفير.

هنا الجميع يمين ويسار ومتدين وعلماني، متفق على عدم اعطاء الفلسطينين حقوقهم، وعلى تجاوزهم في عملية التطبيع مع العرب، وعلى التفوق العسكري اللازم لفرض السيطرة والتفوق في المنطقة، ومن هنا يظهر تماما ان الفرق هو في آلية التنفيذ، متطرف وعنصري وايدولوجي ، او براغماتي سياسي يظهر اتزان في الخطاب، ولغة سياسية، و لكنه يحمل نفس الفكر، هم اذا متفقون على الرؤية، ولكن اليسار يسعى اكثر لتحقيق اهدافه بنعومة ، فهو يقتل بصورة اكثر حضارية، ويفرغ الأرض من اهلها بصورة اقل صدامية، ويعطي صورة للعالم بأن الفلسطيني هو الأرهابي، وهو الذي لا يريد التعايش، وهو من يترك ارضه ويهاجر.

وهنا يبدو جليا ان شعب الكيان هو المشكلة، هو الذي يريد حلولا أكثر يمنية وتطرفا ويسعى لها، ولذلك أستطاعت الأحزاب اليمينة الفوز، وحصل متطرفون حتى على مقياس الكيان، بفرصة للوصول إلى الحكم في كيان يدعي انه ديموقراطي، وهنا تظهر مشكلة من نوع أخر، هي ان النزاع الحقيقي الذي ظهر على السطح، المشكلة هي ليست بين المغتصب للأرض والفلسطيني، ولكن بين المتغتصبين انفسهم، في طريقة الحكم وادارته. 

فبعد الحرب الخاسرة للكيان في اكتوبر 73، فاز مناحيم بيغين في الإنتخابات، وسقطت هيبة اليسار المؤسس، بشخصياته الدبلوماسية من أمثال رابين وبيرس، وبعد إتفاق اوسلو 93 الذي يعطي بعض الحقوق للفلسطينين، وظهرت تيارات يمينية شرقية مزراحيمية متشددة، تزعم بأن اليسار ساذج وخائن، وان اليمين هو الحامي الحقيقي للدولة، الغريب ان هؤلاء هم اليهود الذين عاشوا في كنف الدول العربية، في ظل التسامح الديني والحرية الدينية والاحياء الخاصة بهم، وفي ظل توفير حماية ورعاية وتأمين لكل ما يتعلق بهم، هم من يقود اليمين إلى هذا المستوى من العنف في التعامل مع الفلسطينين، ومن خلال المظلومية التي زعموا انهم تعرضوا لها من الإشكناز الغربيين، استطاعوا توظيف اشخاص مثل النتن ياهو وبن غفير وسموتريتش للسيطرة على الكيان. 

وظهرت حركة غوش ايمونيم وتوسعت المغتصبات، وزاد عنف المغتصبين، ونزعتهم العنصرية والساعية للفصل العنصري وللإبادة للمكون الفلسطيني، واستغل النتن ياهو ذلك بتوظيف لغة شعبوية توظف التخويف على الهوية اليهودية، وزيادة العداء ضد الفلسطينين والمسلمين وخرج بشعار، نحن ضدهم، واتخذ نهج ليبرالي ليستميل الطبقة المتوسطة واليمين الإقتصادي، وذلك نتيجة لانتفاضة الشعب الفلسطيني، وفشل اوسلو والأزمات التي خلقتها المقاومة، كل ذلك تم توظيفه من قبل النتن ياهو لتعزيز رؤيته وسرديته، وسعيه لفرض التفوق العسكري من جهة، وفرض الحلول السياسية من خلال الإقتصاد من جهة اخري، وتم إستغلال اللوبي الأمريكي وجماعات الضغط الغربية للضغط على الدول العربية والإسلامية لتمرير ما يريد. 

وهنا يظهر على السطح ثلاث مشاكل رئيسية يتعرض لها الكيان في ضوء التطورات الإخيرة، الأولى هو الإنقسام الحاد داخل الكيان، وسعي النتن ياهو لتمرير ما تريده الجماعات اليمينية المتطرفة، سواء في أصلاح المحكمة العليا، وفي اقرار نظام الخدمة العسكرية والإعفاءات الأخرى المقدمة للحريدم على حساب باقي مكونات الكيان، وخاصة العلمانيين واليسار، وهم من يحمل العبء الإقتصادي والعسكري، ولذلك هذا الإنقسام حتما سيؤثر على الكيان خلال الفترة القادمة، خاصة في ضوء ارتفاع الكلف المادية والبشرية للمغامرات التي يقوم بها النتن ياهو.

والنقطة الثانية هو الموقف العربي الإسلامي الذي يبدو متصدعا وغير متحد، ويتعرض لضغوط كبيرة ومساس كبير بمصالحه من الولايات المتحدة والدول الغربية، سواء الدول المطبعة او غير المطبعة، وهنا يتزايد الضغط الشعبي والغضب الشعبي بشكل كبير، وحتما سيؤثر على مستقبل العلاقة بين هذه الإنظمة وشعوبها، وبين هذه الإنظمة والغرب من جهة أخرى، فهي لن تستطيع تجاوز هذا الغضب، وستسعى لإيجاد طرق لتفريغه، خاصة بعد ان استطاعت الولايات المتحدة والغرب والكيان، تفريغ كل وسائل المقاومة المتاحة لهذه الإنظمة، سواء الإقتصادية من خلال إتفاقيات ومعاهدات ومصالح، وعسكريا من خلال إلزامها بإتفقيات تحد من قدراتها العسكرية، وتطوير أسلحة نووية أو صواريخ بالستية او كيماوية او بيولوجية، والتي من الممكن أن تحسن موقفها التفاوضي، وتعطي صورة من صور الردع المتبادل في التعامل مع الكيان، والقوى الداعمة له.

والنقطة الثالثة هي الموقف الدولي، والذي وان بدا مستمرا في دعم الكيان وتأمين إحتياجاته المادية والعسكرية والبشرية، فهو يتعرض لموقف ضاغط اخلاقي انساني مبدائي، من خلال جماعات الضغط الداخلية والخارجية، ولذلك بدأت تظهر على السطح بعض المواقف التي تسعى إلى تنفيس هذه الضغوطات، دون القيام بأي فعل مباشر للتأثير على هذا الكيان وافعاله، ولكن الضغط يزداد، والمواقف تزداد حدة، والتصدع الداخلي في هذه الدول وصل مستويات غير مسبوقة، سواء على مستوى الجامعات او المؤثرين في عالم مواقع التواصل. 

التحدي الذي يقوم به النتن ياهو سيؤدي إلى تشكيل موقف عربي مختلف في ضوء الأيام القادمة، ويزيد مستوى التوتر الإقليمي والدولي، وسيدفع بحركات وجماعات جديدة إلى السطح، ويؤثر على الحلفاء التقليدين والدوليين، ويضرب بقوة صورة الكيان الديموقراطية التي سعى لتسويقها خلال الفترة السابقة، ، ويزيد من قوة الجماعات والحركات الرافضة والداعية لمقاطعة الكيان وكل ما يتعلق به، مثل حركة المقاطعة العالمية BDS ، اليمين في الكيان استطاع خلق حالة من التناقض، واظهر الدعم الغربي لهذا الكيان بصورة فجة عسكرية خالية من الأخلاق والإنسانية، ولا تسعى للحفاظ على القيم والمعايير الدولية، ما خلق نزاعا جديدا مع المنظمات الدولية، وادى إلى تشويه القيم الليبرالية والديمقراطية، وشوه صورتها في العالم الغربي وبكل ما يتعلق بها. 

هل سينقلب الغرب عندما تزداد الأعباء نتيجة تصرفات اليمين ، وحسب السياسة الغربية والخبرات السابقة، إلى أين تصل درجة تحمل تصرفات اليمين؟ هنا نلامس مركز الثقل في التحولات الجيوسياسية المحيطة بالكيان، ويطرح تحديًا استراتيجيًا على الغرب: إلى أي مدى يستطيع تحمّل تصرفات اليمين المتطرف قبل أن يُغيّر موقفه بشكل جوهري، وهل سيتحمل الإنقلاب على الديمقراطية من اليمين؟ وللإجابة الدقيقة هنا نقف اولا مع حدود تحمّل الغرب لهذا الكيان خاصة ان هناك بعد تاريخي " الهولوكوست الذي قامت به اوروبا" والتحالف ضد الإنظمة المعادية للغرب، وهو السبب الرئيسي في دعم الغرب للكيان، والرؤية الإنجيلية والدينية خاصة في امريكا، كل هذه تتحكم بمدى تحمل الغرب لتصرفات اليمين في الكيان، ولكن وحسب المعطيات المتاحة، لن يتخلى الغرب عن الكيان مهما كانت الاسباب، نعم قد يخفض من الدعم المادي والعسكري ولكنه لن يتخى عنه، مهما كانت الجرائم التي تم ارتكابها من قبله. 

كل هذا مرهون في الفترة الحالية بصمود غزة وإيران، ففي حال صمود الطرفين، تصبح المنطقة والكيان والعالم والتحالفات في ضوء معادلة جديدة، ففي الكيان تنفجر الأوضاع الداخلية المتأزمة أصلا، وتهتز صورة اليمين والنتن ياهو بشكل مؤثر، ولاننسى تأثير حرب 73 على اليسار، وسيتعرض الموقف العربي والإسلامي والدولي لتحديات الواقع الجديد، وسيفرض الواقع على المكون الفلسطيني صور جديدة من التعاون والعمل، وعلى الصعيد الإقليمي ستقوى المليشيات المرتبطة بإيران ويزداد تأثيرها على المنطقة. 

في ضوء ما تقدم كل هذا يطرح تحدي وجودي أمام المكون السني العربي الإسلامي، في المنطقة للسعي الحقيقي لإيجاد طرق للخروج من الأزمة الوجودية التي تمس حغرافيته ومصالحه وأمنه وثرواته، وففي حال أنتصر اليمين ستكون هناك معطيات اكثر قسوة يفرضها النتن ياهو والجماعة المحيطين به على المنطقة.

ابراهيم ابو حويله...