بهدوء
عمر كلاب
يمكن ببساطة رصد مئات الرسائل الإلكترونية المشككة بالموقف الأردني, ويمكن أنها تتجاوز المئات, لكن الإجابة تأتي, من تماسك الجبهة الأردنية وثباتها أولًا, ومن وجهة هؤلاء المشككين, حال انفراط عقد الأمان في بلدان إقامتهم, أو انفراط عقد جهات التمويل والمرضعات السياسية والمالية, فستجدهم يركبون أول طائرة للإقامة في عمان أو إحدى المحافظات, لذلك لا يجب أن ننشغل كثيرًا بهذه التعليقات, ولا أن ننجر إلى المهاترات معهم, بل الالتفات إلى البناء الداخلي والتماسك المؤسساتي.
في ظل هذه الهجمات المركبة, والانشغال بها, تفلت منا كثير من النقاط الملفتة في مؤسساتنا, وسأضرب مثلًا, بالملكية الأردنية, الناقل الوطني, الذي عانى من هجمات مركبة ومعقدة, على دوره ومهماته, وصلت إلى حد المطالبة بإعدامه بالبيع أو الإغلاق, لكنه في كل الأزمات, كان جسرنا الواصل, إلى الأبناء في بلدان الاغتراب, وكان جسرنا الذي يُعيد الأبناء إلى حضن الوطن, ورأينا في أزمات كورونا, وقبلها أزمة أوكرانيا ولاحقًا أزمة إيران, كيف نجح هذا الناقل الوطني, في الإبقاء على جسورنا مفتوحة, والوصول إلى كل أردني.
الناقل الوطني ليس هو الوحيد الماسك على جمر العمل في الأزمات, فهو مؤسسة من مؤسسات تعمل دون ضجيج, مثل الكهرباء والمياه, وقطاعات الزراعة والتجارة والصناعة, ففي كل الأزمات كانت مؤسساتنا الوطنية حاضرة, وبحجم المسؤولية, فرغم كل الأزمات, لم تنقص سلعة, أو ترتفع بحدة تمنع الأردنيين من الوصول إليها, وبقيت موائدنا وإنارتنا وأنابيب مياهنا تضج بالحياة, رغم كل أشكال الحصار التي تعرضنا لها, قسرًا أو بحكم الظروف الجيوسياسية.
كل هذا ونحن دولة محدودة الثروات والإمكانات الطبيعية, ولكنها غنية بكادر بشري, يموج في تحليلاته السياسية حد الإدمان, ولكنه ممسك بتلابيب الوطن ومفاصله, حد عدم الالتفات الى إمكاناته البشرية الهائلة, فهو اعتاد الأمان والاستقرار, إلى حد الترف العام, والانشغال بأي حالة قلق إقليمية, تارة بحكم بنيته القومية, وتارة بحكم انحيازاته الخارجية, وذلك بسبب ثبات رؤيته الوطنية, فلا يوجد تناقض تناحري في المجتمع الأردني, وهذه نقطة يغفلها كثير من محللي الفضائيات.
طبعًا لا أطلب السكوت على الهجمات الذبابية, أو تركها حرة طليقة, تحديدًا التي تأتي من داخل المجتمع, بل أطالب بالرد المؤسسي, المبني على ثقتنا بالمؤسسات الوطنية, وعدم الانجرار إلى الإساءة اليها, بدل نقدها الوطني حين تستحق ذلك, فثمة فرق بين النقد والهدم, وما تقوم به مؤسساتنا الوطنية يدعونا إلى منحها ما تستحق من التفاتة لجهدها ونقدها إن استوجب الأمر, شكرًا للناقل الوطني وشكرًا لقطاعات الماء والكهرباء ولقطاعاتنا الصناعية والتجارية والزراعية.
omarkallab@yahoo.com