حسين الجغبير
من جديد يقف جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي، ليلقي خطابًا في مرحلة حساسة بتاريخ المنطقة، مع تصعيد دولة الاحتلال وتوسيع هجومها ليشمل إيران، حيث لا يمكن لأحد معرفة أين ستنتهي حدود المعركة، كما أشار جلالته في خطابه الخامس أمام البرلمان الأوروبي.
الملك في خطابه وضع العالم أجمع، وليس الأوروبيون وحدهم، أمام حقائق ما يجري على الأرض، في عدد من الملفات في منطقة تزداد فيها الحروب والفوضى، جراء تطرف دولة الاحتلال وقادتها الذين هم اليوم أساس ابتلاء العالم، الذي ينشغل بحروبهم التي بدأوها في حرب الإبادة الجماعية في غزة ومن ثم لبنان، وسورية، واليمن، وهاهم يواصلون تطرفهم بالعدوان على إيران.
الأوروبيون، الذين اعتادوا على الاستماع لجلالته لفهم ما يجري، وتأثيره على المنطقة وشعوبها وعلى العالم بشكل عام، انطلاقَا من ثقتهم بحكمة الملك وقدرته على شرح الأحداث واستشراف تداعياتها، كانوا قد وجهوا دعوة لجلالته لإلقاء خطاب في اجتماعهم، وهم يعلمون جيدًا أنهم أمام شخصية تملك من الثقة العالمية الكثير، وبالتالي طالما كان لحديث جلالته وكلماته تأثير عليهم، وهو ما أكدته مقدمة الملك قبيل إلقاء خطابه أمس.
لقد جدد الملك التأكيد على حق الفلسطينيين في الحرية، والسيادة، وإقامة دولتهم المستقلة، محذرًا من أن ما يحدث في غزة يتنافى مع القانون الدولي، والمعايير الأخلاقية، وقيمنا المشتركة، والتي تتزامن مع انتهاكات متواصلة بالضفة الغربية، ما جعل الأمر يزداد سوءًا يومًا تلو الآخر، مؤكدًا على أن من سلك طريق السلام من قبل قادر على أن يسلكه من جديد، شريطة أن يتحلى بالشجاعة اللازمة لذلك.
رؤية واضحة لما يجري في العالم قدمها الملك، مسترجعًا تأكيده على خطورة ما يحدث خلال كلمة ألقاها في نفس المكان قبل خمس سنوات، مقدمًا موجزًا مؤلمًا حول الوضع الدولي اليوم، بالإشارة إلى أن العالم يعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات دون توقف ما أدى لتزايد الشعور بأن "عالمنا قد ساده الانفلات، وكأنه قد فقد بوصلته الأخلاقية، فالقواعد تتفكك، والحقيقة تتبدل كل ساعة، والكراهية والانقسام يزدهران، والاعتدال والقيم العالمية تتراجع أمام التطرف الأيديولوجي".
في هذا الوصف الحقيقي، يدق الملك ناقوس الخطر، الذي لن تتضرر منه منطقة الشرق الأوسط فقط، وإنما العالم أجمع، أمنيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، حيث إن استخدام القوة في هذا الزمن ليس سبيلًا ناجعًا لنهضة الدول والشعوب، وتحقيق الأمن والاستقرار لها، وأن السلام لا يأتي بالقوة، وإنما بالتفاوض، لأن فرض السلام يعني انهياره سريعًا، وبالتالي العودة إلى نقطة البداية التي لا تقدم فيها، بل على العكس ستزداد الفوضى الأكثر وحشية وشراسة، وبالتالي لن تقوم قائمة لأحد.
دعوة ملكية لأوروبا من منبرهم، بأن يلتفتوا إلى ما من شأنه نهضة الدول والشعوب، والعمل بجدية من أجل إنهاء الصراعات والحروب الدائرة اليوم، والتي لا مؤشر على نهايتها بقدر اتساع نطاقها.