نبض البلد - ورقة موقف صادرة عن المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال"
مضت تسع سنوات كاملة على آخر مسح وطني شامل لعمالة الأطفال في الأردن والذي أُجري عام 2016 بالتعاون بين دائرة الإحصاءات العامة ومنظمة العمل الدولية وخلص إلى وجود نحو 75,982 طفلا عاملا من بينهم أكثر من 44,000 طفلا يعملون في أعمال تصنف بأنها خطرة، وهو رقم مثل تضاعفا لما رصده المسح الوطني الأسبق الذي أجري عام 2007 والذي أشار إلى وجود نحو 33,000 طفل عامل، وبالتالي فإن عدد الأطفال العاملين تضاعف خلال تسع سنوات بين 2007 و2016 في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة.
ورغم مرور تسع سنوات أخرى منذ مسح 2016 لم يتم لغاية الآن إجراء أي مسح جديد، وهو ما يمثل فراغا ملموسا ومؤثرا في قاعدة البيانات الوطنية ويحد من قدرة المؤسسات على التخطيط وتقييم السياسات.
لقد طالب "بيت العمال" مرارا وفي جميع تقاريره الخاصة بعمل الأطفال بأن يكون إجراء هذا المسح دوري كل ثلاث سنوات على الأقل وفقا للممارسات الموصى بها دوليا من قبل منظمة العمل الدولية واليونيسف والتي تشدد على أن هذا التكرار ضروري لمتابعة تطور الظاهرة والاستجابة لها بفاعلية دون تأخر زمني يفرغ السياسات من جدواها.
الاعتماد على التمويل الدولي لإجراء هذا المسح كما حدث في مسحي 2007 و2016 يشكل نقطة ضعف مؤسسية لا ينبغي استمرارها، فتوفير مخصصات وطنية دائمة لهذا النوع من المسوح يعكس توجه فعال في مجال حماية الطفولة وحقوق الإنسان، ويجنب المؤسسات الوقوع في فجوات معرفية واسعة تعيق التدخل المبكر.
وفي ظل غياب بيانات رسمية حديثة لا يجوز أن تتوقف إمكانية التحليل أو التقدير العلمي للظاهرة، فقد أقرت منظمة العمل الدولية واليونيسف والبنك الدولي إمكانية استخدام نماذج تحليلية تفسيرية متعددة المتغيرات (Multivariate Explanatory Models)، يتم فيها ربط نسب عمل الأطفال بمؤشرات اجتماعية واقتصادية محددة تظهر قوة العلاقة بينها وبين توسع الظاهرة، وتستخدم هذه المنهجية تحديدا في الدول التي لم تتمكن من تنفيذ مسوح وطنية حديثة، وتشكل أحد الأسس المنهجية لتقارير التقديرات العالمية لعمالة الأطفال الصادرة عن ILO وUNICEF، كما ورد في تقريرهما المشترك لعام 2021.
وفي الحالة الأردنية تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 24% وتجاوز معدل البطالة 21% وخلال الجائحة 25%، وبلوغها نسبا أعلى في صفوف الشباب تجاوزت 46%، في وقت يستمر فيه التسرب المدرسي خاصة في المناطق الريفية والزراعية والذي تضاعفت معدلاته خلال الجائحة، كما توسع الاقتصاد غير المنظم ليشمل نحو 55%–59% من العاملين في سوق العمل بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية والبنك الدولي، كل ذلك في ظل محدودية شبكات الحماية الاجتماعية في الوصول إلى الأسر الأكثر هشاشة.
وتشير التجارب العالمية إلى أن الأزمات الحادة تترك أثرا مباشرا على عمل الأطفال، إذ سجلت منظمة العمل الدولية واليونيسف في تقريرهما المشترك أن عدد الأطفال العاملين عالميا ارتفع بنحو 8.5 ملايين طفل بين عامي 2016 و2020 بسبب جائحة كوفيد‑19، وهي أول زيادة في عدد الأطفال العاملين منذ أكثر من عشرين عاما، وفد شكل هذا الارتفاع المفاجئ سابقة عالمية أكدت مدى هشاشة أوضاع الأطفال في ظل الأزمات ومدى ارتباط الظاهرة بالعوامل الهيكلية والاقتصادية.
واستنادا إلى هذا النموذج التحليلي المعتمد دوليا والمؤشرات الخاصة بالأردن قدر "بيت العمال" أن عدد الأطفال العاملين في البلاد قد وصل بعد الجائحة إلى حدود 100 ألف طفل، مع التأكيد على أن هذه التقديرات لا تمثل بديلا عن المسح الوطني لكنها تقوم مقامه في التحليل إلى حين توفر بيانات شاملة، وتمثل أداة سياساتية تلفت النظر إلى اتساع الظاهرة وتدعو إلى المسح كأداة أساسية.
غياب مسح محدث لا يمس فقط القدرة على التشخيص بل يفرغ الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال (2022–2030) من مضامينها التنفيذية ويمنع تقييم أثرها بشكل علمي، فالمسح الوطني هو أداة التخطيط والقياس والرقابة، فحماية الأطفال من الانخراط في سوق العمل التزام وطني يتطلب أدوات دائمة ومحدثة، تبدأ أولا من إدراج مسح عمل الأطفال كمكون ثابت في الموازنة العامة لينفذ دوريا وبمنهجية تسمح بقياس التغيرات ورصد الاختلافات الجغرافية والقطاعية وتوجيه الموارد بكفاءة نحو الوقاية والدعم.