منظمة “Eco Athletes”: العالم الرياضي متأخر في مواجهة أزمة المناخ وعلى الرياضيين استخدام أصواتهم لتغيير قواعد اللعبة

نبض البلد -

البطولات العالمية أمام تغيّر المناخ… الرياضة بلا ضمانات تنظيمية

ميناس بني ياسين

بينما ينصب التركيز غالبًا على الأثر البيئي والاقتصادي والاجتماعي لتغير المناخ، ما يزال تأثيره المتزايد على البطولات الرياضية الكبرى يحظى باهتمام أقل مما يستحق، على الرغم من ما يشكله من تهديد مباشر على انتظام هذه الأحداث ونجاحها.

تغير المناخ لم يعد خطرًا مؤجلًا أو مجرد احتمال بعيد، بل بات واقعًا يفرض نفسه على ملاعب الرياضة، ويعيد تشكيل خريطة البطولات الكبرى بطرق غير مسبوقة؛ من موجات حر شديدة إلى فيضانات مفاجئة، ومن تراجع جودة الهواء إلى اضطراب مواعيد الفصول، كلها عوامل تهدد الاستقرار الزمني والتنظيمي للمسابقات العالمية.

وقد شهد العالم بالفعل آثارًا لهذا التهديد، كما في مونديال قطر 2022، حين اضطرت اللجنة المنظمة إلى نقل موعد البطولة من الصيف إلى الشتاء بسبب الحرارة القاسية. ومع تزايد الظواهر المناخية المتطرفة، تبدو هذه الحالات أقرب إلى بداية مرحلة جديدة تتطلب إعادة تفكير شاملة في طرق التخطيط والتنظيم.

ومع اقتراب تنظيم فعاليات كبرى مثل كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وفعاليات أخرى في دول مثل قطر والسعودية وسويسرا، تبرز تساؤلات ملحة: هل نحن مستعدون فعليًا لمواجهة هذا التحدي المناخي؟ وهل تبادر الجهات المنظمة بخطوات جريئة للتكيّف مع الواقع الجديد؟

لم يعد من المجدي الاكتفاء بإجراءات شكلية كإعادة جدولة المواعيد أو تحسين التهوية في الملاعب. فالمرحلة تتطلب اعتماد استراتيجيات استضافة مستدامة، تقليل الانبعاثات، ترشيد السفر الجوي المرتبط بالبطولات، إلى جانب التزام واضح من الاتحادات الرياضية الدولية بقيم المناخ والعدالة البيئية. فالرياضة، بما لها من تأثير جماهيري وإعلامي هائل، ينبغي أن تكون في صلب المواجهة لا على هامشها.

رياضيون يقودون المواجهة

في حديث خاص لـ”الأنباط”، أكدت منظمة Eco Athletes—المعنية بتحفيز الرياضيين للريادة في قضايا المناخ—أن العالم الرياضي لا يزال يتعامل مع أزمة المناخ ببطء مثير للقلق، رغم ما تشكله من خطر على استدامة الرياضة نفسها.

وأشارت المنظمة إلى أن ما تحتاجه الرياضة اليوم ليس خطابًا علميًا معقدًا، بل نداء إنساني مباشر، مثل أن يخرج الرياضيون ليقولوا: "البشرية متأخرة في مباراة المناخ، وعلينا أن نبدأ العودة الآن… نحن نرغب ونحتاج إلى بيئة صحية نمارس فيها الرياضة ونشاهدها… فلنضع خطة لعب!”.

وبحسب المنظمة، فإن مثل هذه الرسائل البسيطة والملهمة قادرة على إحداث أثر يفوق تأثير عشرات التقارير العلمية التي لا تصل إلى الجمهور الواسع.

ثلاث ثغرات تعيق العمل المناخي الرياضي

وفي تقييمها لأداء المؤسسات الرياضية الدولية في مواجهة تغير المناخ، رصدت Eco Athletes ثلاث مشكلات رئيسية تعيق فاعلية الجهود الحالية:

1.التركيز المحدود على البنية التحتية: حيث تتركز أغلب الجهود على جعل المنشآت والملاعب "خضراء”، في حين أن 90% من الجمهور لا يحضر الأحداث مباشرة، ما يقلل من جدوى هذه التحسينات على مستوى الأثر البيئي العام.

2. ضعف الطموح المؤسسي: إذ تتعامل العديد من الاتحادات مع المناخ كقضية ثانوية، دون استجابة طارئة تتناسب مع حجم التهديد العالمي.

3.التناقض بين الخطاب والممارسة: أشارت المنظمة إلى ما وصفته بـ”الغسيل الأخضر”، مستشهدة بالفيفا الذي يتحدث عن ملاعب خضراء في مونديال 2026، بينما يحتفظ براعي رسمي هو "أرامكو”، إحدى أكبر شركات الوقود الأحفوري، وهو ما يقوض مصداقية الجهود المناخية المعلنة.

تحركات فعلية في أولمبياد باريس 2024

قدّمت Eco Athletes نموذجًا عمليًا لتدخل الرياضيين في القضايا البيئية، إذ شارك ستة من أعضائها في أولمبياد باريس 2024 برسالة مفتوحة إلى الرئيس التنفيذي لشركة"Lululemon” (المزود الرسمي لملابس الفريق الكندي)، طالبوه فيها باتخاذ مواقف أكثر طموحًا تجاه المناخ.

وأكدت المنظمة أنها لا تكتفي بتحفيز الرياضيين، بل تقدم لهم دعمًا وتمكينًا شاملًا، عبر برامج تدريبية تشمل الإرشاد الشخصي في مهارات الخطاب المناخي، والتوجيه المهني في مجالات الرياضة المستدامة، وفرص الظهور الإعلامي، إلى جانب مساعدتهم في الوصول إلى شراكات تجارية تتماشى مع قيم الاستدامة.

مفترق طرق… الرياضة جزء من الحل أم من الأزمة؟

واختتمت Eco Athletes تصريحاتها بالتأكيد على أن الرياضة، بصفتها لغة عالمية توحّد الجماهير، تقف اليوم أمام اختبار تاريخي: إما أن تكون جزءًا من الحل المناخي عبر خطوات ملموسة وشجاعة، أو أن تستمر كجزء من الأزمة، ما يفقدها كثيرًا من قيمتها الأخلاقية والإنسانية في عالم يبحث عن حلول.