هل يجب على الدول العربية أن تكون طرفًا في المفاوضات الأمريكية الإيرانية؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

تعود المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران إلى الواجهة مجددًا، ولكن بواقع أكثر وضوحًا من خلال تبسيط مشهدها كما يلي: الفكرة الرئيسية وتتمثل في اليورانيوم وعمليات تخصيبه مقابل رفع العقوبات الأمريكية. والأوراق والتدخلات الثانوية التي كشف عنها موقع "اكسيوس"وجسّدها أمران يُكشف عنهما لأول مرة: وضع ورقة غزة على الطاولة من قبل إيران، بالإضافة إلى اقتراح روسي بسحب اليورانيوم العسكري من طهران. أي أن هيكلية المفاوضات أصبحت أوضح بكثير من أي وقت سابق، وهذا قد يشير إلى اقتراب حسمها.

الولايات المتحدة أكدت سابقًا أن جلسة الحوار المقبلة ستكون اليوم الخميس، بينما صرّحت طهران بأنها تفضل أن تُعقد الجلسات يوم الأحد، صحيح أن هذا الخلاف قد يبدو شكليًا لكنه قد يعكس واقع المفاوضات؛ وقد يكون هذا الخلاف الرمزي منقلبًا عن رغبة في فرض إيقاع المفاوضات من قبل كل طرف على الآخر. ويبقى السؤال: هل يمكن اعتبار هذه الندية الإيرانية أمرًا حقيقيًا أم طُعم أمريكي لكشف جميع زوايا حركة طهران ولفهم تقديرها لوزنها في هذه المفاوضات؟ بصيغة أخرى: هل هذه الندية منحة أمريكية أم خصيصة موجودة فعلًا لدى الطرف الإيراني؟

ما يؤكد صعوبة المفاوضات هو التصريحات الأمريكية، حيث ترى إدارة ترامب حسب وكالة "فوكس نيوز" أن أي اتفاق لا يضمن تفكيك البنية النووية الإيرانية تدريجيًا لن يكون مقبولًا سياسيًا أمام الكونغرس والرأي العام. وقد عبّر ترامب بنفسه عن تراجع ثقته في احتمالات نجاح هذه الجولة من المفاوضات قياسًا مع ما كانت عليه في نيسان وأيار، مؤكدًا عن طريق عبارة تهديدية معهودة بأن كل الخيارات مطروحة.

علاوة على ذلك، كانت التصريحات العسكرية جزء من هذه المفاوضات؛ فقد حذّر وزير الدفاع الإيراني عزيز ناصرزاده بشكل صريح من أن أي اعتداء على "السيادة الإيرانية" سيُقابل بهجوم مباشر على القواعد الأمريكية في الخليج والبحر الأحمر، بل أن الرجل تحدث بالتفصيل عن أسماء قواعد محددة في المنطقة. في المقابل فإن الجواب الأمريكي لم يتأخر، وجاء على لسان مسؤول القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا في تصريحات لقناة فوكس نيوز أيضًا قال فيه: "إن الولايات المتحدة تدرس خيارات عسكرية متعددة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي إذا فشل المسار الدبلوماسي”.

هذا الضغوطات والتهديدات العسكرية المتبادلة تشي باحتمالين بتصوري: الأول: إما أن المفاوضات تقترب من الحسم برضا الطرفين وما نراه هو مجرد إعادة للتموضع ضمن سياق الطاولة، وهذا الاحتمال لا يبدو قويًا في ظل ترقُّب خليجي وتهديدات إسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية. الاحتمال الثاني وهو أننا نقترب فعلًا من صدام عسكري وهذا تعززه التهديدات العسكرية المتبادلة ووضع ملف (غزة-إسرائيل) في السياق، والاقتراح الروسي بسحب اليورانيوم المخصب من إيران وتحويله إلى وقود مدني، كجزء من تعزيز الثقة وكمحاولة لإنقاذ المسار التفاوضي؛ الروس لا يتدخلون بهذا الشكل إلا إذا شعروا أن الأمور تتجه إلى المواجهة.

الغريب في المشهد هو تركيز الولايات المتحدة على هدف واحد وهو تفكيك البرنامج النووي الإيراني بغض النظر عن أي تبعات وملفات أخرى، وهذا باعتقادي غير كافي -بل خطير- دون ضمان مصالح دول الخليج العربي والمنطقة بشكل كافي، فمقابل تفكيك هذا البرنامج ستحصل إيران على مكاسب اقتصادية كبيرة قد يتم استغلالها في مشاريع جديدة ضد المنطقة تمامًا كما حدث بعد اتفاق 2015 الذي جاء في ذروة ما سمي بالربيع العربي الذي بدأ في عام 2011، حيث أنشأت ودعمت إيران أذرعًا لها في عدة دول عربية.

من الواضح أن الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة كبيرة مع فكرة استمرار الاضطرابات في المنطقة (بمقدار محسوب)، حيث أن استمرارها -أقصد الاضطرابات- كان تاريخيًا جزء من استراتيجية أمريكا لضمان قدرتها على الحركة في المنطقة. بالتالي فإن أي مكسب اقتصادي لإيران سيعزز هذه الاضطرابات (حتى بدون برنامج نووي). لذلك لطالما ضغطت الدول الخليجية باتجاه التواجد على طاولة مفاوضات أمريكا وإيران، خصوصًا أن ساحة الاشباك كما تقول التهديدات العسكرية الإيرانية ستكون منطقة الخليج العربي.

الإيرانيون والأمريكان يراعون مصالحهم بالدرجة الأولى من خلال هذه المفاوضات، وأعتقد أن الدول العربية تحتاج لأن تكون أكثر فاعلية في هذه الجولات (أو أن تكون طرفًا)، فهذه الدول تضررت من سلوك إيران ومن سياسة أمريكا في المنطقة على حد سواء؛ لذلك لا بد من استغلال تطور قوة العلاقات الأمريكية الخليجية الأخير في انتزاع ضمانات لجميع احتمالات هذه المفاوضات وكل ذلك بدعم عربي من الأردن ومصر وبقية الدول العربية.