أحمد الضرابعة
قبل سنوات كانت الكرة الأردنية مثارًا لسخرية العديد من الأردنيين وكان حلم وصول المنتخب الأردني إلى نهائيات كأس العالم غير قابل للتحقق إلا في خيالات تداعب أحلام الجماهير في لحظات الحماس العابرة. هذا الحلم غير المتوقع أصبح واقعًا ملموسًا بعد أن نجح الجيل الجديد من اللاعبين الأردنيين بقلب المعادلات الرياضية ورفع راية الأردن في الساحة العالمية.
كوكبةٌ من الشباب المحترفين الأردنيين القادمين من بيئات متواضعة بعيدًا عن مراكز التنمية التقليدية حجزوا للأردن مكانةً رياضية رفيعة في القارة الآسيوية ووضعته في مصاف الدول المنافسة على أعلى المستويات في حدث عالمي غير عادي. هذا الإنجاز الاستثنائي يسلط الضوء على الفجوة التنموية التي لا تزال قائمة بين المركز والأطراف والتي تظهر نتائجها بوضوح في مجالات عدة، من بينها الرياضة والتعليم وسوق العمل، حيث تعاني المناطق الأقل حظًا من نقص الاستثمارات وفرص التطوير مقارنةً بالعاصمة على سبيل المثال.
يعيد تأهل المنتخب الأردني إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه الثقة بالكفاءات الأردنية ويعزز صورتها عالميًا ويكسر الحواجز النظرية التي تربط الإنجاز بالإمكانات المالية الضخمة والبنية التحتية المتقدمة، ولكنه بالطبع، لا يُسقط ضرورة تطوير السياسات الرياضية بما يضمن استدامة الإنجازات وتحويلها من لحظات تاريخية زائلة إلى نهج متكامل يتيح تكرارها والوصول إلى أبعد منها.
يتطلب ذلك النظر إلى الشباب الأردني بوصفهم قوة دافعة وراء الابتكار والتقدم والنمو، وليسوا مجرد فائض من العاطلين عن العمل الذين ينتظرون فرصًا محدودة في سوق العمل التقليدي، فالتوظيف الناجح للطاقات الشبابية في المنتخب الأردني أدى لتحقيق إنجازات غير مسبوقة على الصعيد الوطني وهذه "الوصفة" يجب أن تنتقل إلى مختلف القطاعات الحيوية، حيث يمكن إعادة تطبيق المبادئ ذاتها التي قادت لتحقيق النجاح الرياضي في مجالات الصناعة والتعليم وريادة الأعمال. ومع بدء عصر الذكاء الاصطناعي لا بد من فتح مساحات الإبداع لتحرير الإمكانات لدى الشباب الأردني بما يؤدي لتسريع التكيف الوطني مع التحولات التكنولوجية العالمية.
قبل عقود نجحت الدولة الأردنية بالاستثمار في مواطنيها عن طريق تبني سياسات تعليمية وتدريبية أثمرت في بناء جيل قادر على المنافسة في شتى المجالات إقليميًا ودوليًا، وهو ما عزز مكانة الأردن وحولته لمصدّر للكفاءات المتخصصة، وراعٍ للمواهب الفنية. مع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتحول في السياسات التنموية للبلدان المجاورة، لا بد من اجتراح معادلة وطنية تُنتج أجيالًا قادرة على التكيف مع المتغيرات العالمية ومواكبة التطورات التقنية، لتكون قادرة على حجز مكانتها في المشهد الدولي ليس فقط كمصدر للكفاءات، وإنما قوة إبداعية ترسم صورة حديثة للأردن.