هل نستطيع استغلال التغيُّرات المتوقعة في (إسرائيل)؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

جوهر الديمقراطية هو المراجعة الدورية لأداء السّلطة من قبل الناخبين بحيث يملك هؤلاء حق التقييم وحق إبعاد أو تنصيب من يريدون من وإلى السلطة، كنتيجة، تتكوّن عادةً في ظل هذه الأنظمة تيارات وأحزاب ومؤسسات تلعب دورًا رقابيًا مهمًا، خاصةً إذا دُمجت هذه الرقابة الشعبية مع حالة مراجعة من مؤسسات وأفراد تكنوقراطيين (فنيون يعملون بحسب ضوابط علمية). 

واحدة من الكيانات التي تترسخ فيها هذه الوضعية هو كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ليس مديحًا لهذا الكيان أو لهذا النوع من الإدارات بقدر ما هو مقدّمة لمحاولة فهم، وربما توقّع، ما يحدث/ سيحدث من ارتدادات داخل إسرائيل بعد ما حدث في الإقليم في آخر عامين.

باعتقادي أن هناك أزمة بنيوية في تحالفات اليمين الحاكم في إسرائيل، فالائتلاف الحاكم في إسرائيل والذي يقوده حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، مكوَّن من أحزاب يمينية متطرفة ودينية مثل (الصهيونية الدينية) بقيادة بتسلئيل سموتريتش، و(عوتسما يهوديت) بقيادة إيتمار بن غفير، وحزب (شاس) و(يهدوت هتوراه) الحريديَّين. ورغم نجاح هذا الائتلاف في تشكيل حكومة بعد انتخابات 2022، ورغم ما فعله هذا الائتلاف من إنجازات - بالنسبة لإسرائيل - تمثلت في إنهاء حماس وحزب الله وتدمير البنية العسكرية للجيش السوري بعد سقوط نظام الأسد، إلا أنه يعيش مع ذلك حالة تفكك داخلي وتضارب في الأولويات لعدة أسباب، أهمها أن الأحزاب الدينية تسعى لحماية امتيازاتها في التعليم الديني والإعفاء من الخدمة العسكرية، وقد ظهرت هذه الأزمة على السطح قبل أشهر بعد ضغط وزارة الدفاع لتجنيد المتدينين، والأحزاب الصهيونية الدينية تمارس بشكل مستمر الضغط باتجاه توسيع الاستيطان في الضفة الغربية. بالتالي، فإن دور حزب الليكود بقيادة نتنياهو هو الموازنة بين هذه المطالب ومصالح الكيان ومؤسساته الأمنية وهذه الموازنة لن تستمر لأن الليكود نفسه موجود اليوم على طاولة التشريح السياسي، ناهيك عن أن هذا التوازن سيضرب من الخارج إذا تم ضمّ الضفة الغربية، وسيضرب من الداخل إذا استمر التمييز بين (المواطنين) فيما يخص التجنيد والتعليم.

هذا التناقض البنيوي يضع أمام نتنياهو صعوبات في المحافظة على حكومته، خاصةً إذا أخذنا بالحسبان تصاعد الاحتجاجات في الشارع، والذي أسّس لانقسام مجتمعي غير مسبوق.

تصادم آخر لهذه الحكومة سيكون مع القضاء عبر محاولة فرض تعديلات قضائية تقوِّض التوازن الإداري الديمقراطي المذكور سابقًا. فقبل عامين، سعى نتنياهو مع وزير العدل ياريف ليفين إلى تمرير ما يُطلق عليه "إصلاحات قضائية” تضمنت تقييد صلاحيات المحكمة العليا، وتمكين الحكومة من تعيين القضاة، وتقليل استقلالية النيابة العامة. 
وهذه الإجراءات تُعدّ جوهرية وعميقة في إسرائيل وأساس خلاف حاد، لأن نتنياهو يريد تغيير شكل الكيان السياسي لمصلحته الشخصية، حيث خلق لأجلها مخرجين للهروب من الملاحقة القضائية عن تهم بالفساد والرشوة؛ المخرج الأول وهو السيطرة على القضاء، وتمثل الثاني في إطالة عمر الحرب في قطاع غزة، وللأسف فإن سوء إدارة حماس لملفّي الحرب والمفاوضات يمنح الرجل "أكسجين البقاء” عبر ترك المخرج الثاني -إطالة أمد الحرب- مفتوحًا أمامه بعد أن فشل في فرض التعديلات القضائية.

لهذا كله، فإن احتمالية تفكك الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة واردة، خصوصًا في ظل هذه المعطيات التي يُحتمل أن تصل في النهاية إلى الانتخابات المبكرة كأحد الخيارات المطروحة بقوة. فمن الممكن أن يستطيع تحالف المعارضة بقيادة يائير لابيد وأحزاب وسطية (مثل أزرق أبيض) إعادة ترتيب صفوفه والدعوة إلى التصويت على حجب ثقة الحكومة.

الفكرة أن إسرائيل ستدخل عاجلًا أم آجلًا في مرحلة مراجعة شاملة تتضمن استنتاجات واستخلاصات عمّا حدث، وقد ينتج عن ذلك إعادة تشكيل خارطتها السياسية، وهذا يتطلب أن تعمل الدول العربية -بشكل استباقي- على الضغط باتجاه إقامة دولة فلسطينية، استغلالًا لزخم الغضب العالمي من إسرائيل بالإضافة إلى حالة المراجعة الداخلية المتوقعة؛ لأن المؤشرات تقول إن القادم سيكون أكثر اعتدالًا في إسرائيل بشكل يتناسب مع مقدار العزلة الدولية التي تزداد ضد هذا الكيان المجرم.

أردنيًا، فإن إقامة دولة فلسطينية مصلحة عليا، ونحن معنيون بذلك أكثر من أي دولة عربية نظرًا للتشابك الجغرافي والديموغرافي مع الضفة الغربية، لذلك فإنني أعتقد أن حركتنا يجب أن تكون أنشط خلال الفترة القادمة حتى لو انتهت الحرب في غزة، خصوصًا أن هناك موجة متوقعة من الاعتراف بدولة فلسطين من قبل دول أوروبية مهمة. قراءات المشهد إيجابية على المدى البعيد وتحتاج في المقابل تخطيطًا استراتيجيًا قادر على استغلال الظروف لإيصال الأردن والمنطقة إلى بر الأمان.