حاتم النعيمات
ترتيب الساحة السياسية الأردنية مهم للمراكمة فوق الحركة الإصلاحية التي تتبناها الحكومة الحالية، ومهم أيضًا لتلافي أي تقلبات غير متوقعة في محيطنا الذي أصبحت المفاجآت سمته العامة، فإنهاء أي حالة توصيل بين تيارات الداخل والخارج يزيد من مناعة الدولة، ويؤسس لحالة سياسية صحية؛ تمامًا كأي بلد في العالم لا يقبل أن يحوي أي فعل سياسي مستورد.
خلال الفترة الفائتة، عادت بعض الشخصيات المحسوبة على الحركة الإسلامية إلى نشاطها المعتاد، حيث بدأت هذه الشخصيات، وتحت مظلة الحزب، بعمليات التحشيد من "الصفر” بعد تيقنها من خسارة "جسم الجماعة” بقرار من المحكمة، وبدأنا نرى بعض القيادات تخرج على الإعلام وتستخدم خطاب المظلومية واتهام الدولة بالتبعية مع محاولات غريبة لاحتكار الهوية الإسلامية في الجماعة السياسية التي ينتسبون لها. ورأينا أيضًا عودة نشاط الشارع والهتافات والمبايعات لشخصيات غير أردنية، وبنفس الإيقاع الذي سبق الحظر. وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الحزب قد بدأ باستغلال المناسبات العامة للتحشيد، مستغلًا على سبيل المثال مجالس العزاء بشكلٍ مُلفت، بالاعتماد على القيم الأردنية المصاحبة لهذه المناسبات. ولا أقول أن هذه أعمال تنافي القانون بالمناسبة، لكني في المقابل أعتقد أن لها دلالات سياسية مهمة.
صحيح أن بقاء الحزب من عدمه مرهون بقرار القضاء، وهذا معروف ولا جدال فيه، لكن الواقع يقول إن ترك الساحات السياسية والإعلامية والاجتماعية في "الهواء الطلق" قد يخلق انزياحًا في الرأي العام الأردني، حيث بدأ جزءٌ ملحوظ من هذا الرأي ينسى أن أصل الحكاية هو خلايا تصنيع أسلحة وصواريخ وطائرات بدون طيار، وليس مجرد خلاف في وجهات النظر، فهذا الأمر شكّل انتهاكًا صارخًا للأعراف السياسية الأردنية.
العمل الاجتماعي هو أساس التحزّب والتجنيد لدى هذا التيار، فهو لا يخاطب العقل السياسي في المجتمع بقدر ما يخاطب عاطفته وبقدر ما يستغل التجمعات، ولو تأملت كل الخطب والبرامج الانتخابية له لوجدتها خالية من الإجرائية والعملية. فلا أذكر أن هذا التيار قدّم حلولًا واضحة للنقل أو الطاقة أو التعليم، أو غيرها.
على ما يبدو أن ما يجري الآن هو عملية تفريغ لمنتسبي الجماعة المحظورة باتجاه الوعاء القانوني - حتى الآن - المتمثل في الحزب، ويتم ذلك بشكل هادئ وعبر العنوان الاجتماعي بالدرجة الأولى. وهنا يجب أن ندرك أن عامل الوقت مهم جدًا نظرًا لكفاءة خطاب التحشيد الذي تتقنه هذه التيارات. أي أننا اليوم أمام عملية تحويل جسمٍ محظور إلى جسم قانوني، يضافُ إليه عمليات تحزيب وتنظيم جديدة. وهنا مربط الفرس وجوهر النقاش: فهل هناك فرق فعلي بين الجماعة والحزب إذا ثبت أن الأعضاء هم أنفسهم في الجسمين؟
الرأي العام بطبيعته، وفي كل دول العالم، يؤمن بشمولية بثنائية الخير والشر، ولا يرى في الغالب أن هناك تدرّجًا بينهما، بالتالي فإن الصمت اليوم عن جسامة حدث اكتشاف خلية التصنيع قد يعني لدى الرأي العام المحلي برودًا في الرواية سيفسر تحت طرقات البروباغندا المضادة على أنه زورٌ في رواية الدولة، وهذا ما لا يقبله أي أردني يفهم خصوصية وأهمية الاستقرار في هذه البلاد.
هناك رأي دارج يقول إن بقاء الحزب أفضل من حله، وهذا الرأي يرى الأمور من ناحية الحاضر فقط، والفيصل في الموضوع ليس سلوك الحزب تحت الضغط اليوم، بل أن الفيصل هو ضمان سلوكه في المستقبل يضاف إلى ذلك كيفية قراءة منحنيات شعبيته، والأهم من ذلك كله هو استقصاء إمكانية تحوّله لكيان يلعب دور الجماعة المحظورة ودور الحزب في آن واحد بذات الأيديولوجيا التي قادت إلى الصدام الأخير مع الدولة؛ فالأشخاص أنفسهم، والخطاب نفسه، مع ميزة إضافية -حسب هذا الرأي- تتمثل في إعطائه مظلة قانونية!
تحدث الكثير من المهتمين بالشأن العام أن معركة الدولة ستكون صعبة في ميدان الإعلام، وأن الوقت الذي يمر سيذهب لصالح تكذيب روايتها، بل إن كل يوم يمر دون حسم هذا الملف يفتح المجال لتتحول أي غضبة عادية من أي مواطن إلى رصيد شعبي يُضاف إلى مكتسبات شعبوية وانتخابية لهذا التيار قد تصبح تكلفة مواجهتها عالية جدًا يومًا ما.