النوم الهادئ هو حالة من الراحة العميقة والمستمرة التي يمر بها الجسم والعقل خلال فترة النوم، وتتميز بالاسترخاء التام وانعدام الاضطرابات أو التقطعات، وهو بمثابة نمط من النوم المتناغم الذي يمكن الجسم من المرور بجميع مراحل النوم بسلاسة وبالتسلسل الطبيعي، من النوم الخفيف إلى النوم العميق ثم مرحلة الأحلام.
عندما يحصل الإنسان على نوم هادئ، يستيقظ منتعشًا ومفعمًا بالطاقة والحيوية، دون الشعور بالتعب أو الإرهاق، فهو عملية حيوية نشطة يقوم خلالها الجسم بالعديد من وظائف الإصلاح والتجديد الضرورية للحفاظ على الصحة البدنية والعقلية، ويُعتبر النوم الهادئ ركيزة أساسية للصحة المثلى، فهو يلعب دورًا فعالاً في تقوية جهاز المناعة، وتعزيز وظائف الدماغ، وتنظيم الهرمونات، وتجديد خلايا الجسم.
خلال النوم العميق، يفرز الجسم هرمون النمو الذي يساعد في إصلاح الأنسجة التالفة وبناء العضلات، كما يقوم الدماغ بمعالجة المعلومات المكتسبة خلال اليوم وتخزينها في الذاكرة طويلة المدى، مما يعزز التعلم والذاكرة، ولكن في العصر الحديث، يعاني ما يقارب ثلث البالغين يعانون من قلة النوم أو اضطراباته، وفقاً للدراسات، مما يؤثر سلبًا على جودة حياتهم و إنتاجيتهم.
العوامل المؤثرة على النوم الهادئ
تعرف على أهم العوامل التي تساعد على النوم الهادئ:
العوامل البيئية
تلعب البيئة المحيطة دوراً هاماً في جودة النوم، فالضوضاء غير المرغوب فيها تعتبر من أكثر العوامل المزعجة، سواء كانت أصواتاً من الشارع أو من أفراد المنزل أو حتى صوت المكيف أو المروحة، وتؤثر الإضاءة بشكل كبير على إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم دورة النوم والاستيقاظ، حيث أن التعرض للضوء الساطع قبل النوم يثبط إفراز هذا الهرمون.
كما تؤثر درجة الحرارة أيضاً بشكل مباشر على راحة النوم، فالغرفة الحارة جداً أو الباردة جداً تجعل من الصعب الاستغراق في نوم عميق.
نمط الحياة والعادات اليومية
يرتبط نمط الحياة ارتباطاً وثيقاً بجودة النوم، فاستهلاك الكافيين المفرط، خاصة في فترة ما بعد الظهيرة والمساء، يمكن أن يظل في الجسم لساعات طويلة مما يعيق القدرة على النوم، ويحتوي التدخين على النيكوتين الذي يعمل كمنبه ويمكن أن يسبب صعوبة في النوم واستيقاظاً متكرراً خلال الليل.
الكحول يتسبب أيضاً في اضطراب مراحل النوم العميق ويؤدي إلى نوم متقطع، كما تجبر الوجبات الثقيلة قبل النوم، الجهاز الهضمي على العمل بجهد أكبر مما يعيق الراحة.
التوتر
يُعد القلق والتوتر من أبرز العوامل التي تؤثر سلباً على النوم، فعندما يكون العقل مشغولاً بالمخاوف أو المشكلات، يصعب على الشخص الاسترخاء والدخول في حالة النوم، ويؤثر الاكتئاب على نمط النوم بطرق مختلفة، قد يسبب صعوبة في النوم أو الاستيقاظ المبكر جداً أو النوم المفرط.
كما تزيد الضغوط اليومية من العمل أو العلاقات الشخصية من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، مما يبقي الجسم في حالة تأهب غير مناسبة للنوم، ومن الممكن أن تثير المشاعر القوية سواء كانت سلبية أو إيجابية، الجهاز العصبي وتجعل الهدوء والنوم أمراً صعباً.
الأجهزة الإلكترونية
تؤثر الأجهزة الإلكترونية سلباً على جودة النوم، فالضوء الأزرق المنبعث من شاشات الهواتف والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر يثبط إنتاج الميلاتونين، مما يجعل من الصعب على الجسم معرفة أن الوقت قد حان للنوم، والانشغال بمحتوى مثير للاهتمام أو مسبب للقلق على وسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم يحفز العقل ويبقيه نشطاً.
ويمكن أن تقطع الإشعارات المستمرة والرسائل النوم حتى عندما يكون الجهاز في وضع الصامت بسبب الضوء أو الاهتزاز.
النظام الغذائي
قد تسبب الأطعمة الغنية بالدهون والأطعمة الحارة عسر الهضم وارتجاع المريء، مما يؤدي إلى الشعور بعدم الراحة أثناء محاولة النوم، ويمكن أن تسبب السكريات والكربوهيدرات المكررة ارتفاعاً مفاجئاً في مستويات السكر في الدم يتبعه انخفاض حاد، مما يؤدي إلى الاستيقاظ ليلاً.
وقد يؤدي شرب الكثير من السوائل قبل النوم إلى الاستيقاظ المتكرر للتبول، فبعض الأطعمة مثل الكرز والموز والشوفان واللوز تحتوي على مواد طبيعية تساعد على النوم مثل الميلاتونين والتريبتوفان والمغنيسيوم.
الاضطرابات الصحية
العديد من الحالات الصحية تؤثر بشكل كبير على جودة النوم، فانقطاع النفس النومي يسبب توقفات متكررة في التنفس أثناء النوم، مما يؤدي إلى الاستيقاظ المتكرر غير المدرك وانخفاض مستويات الأكسجين، وتسبب متلازمة تململ الساقين رغبة ملحة في تحريك الساقين، خاصة عند الراحة، مما يعيق النوم.
كما تجعل آلام الظهر والمفاصل من الصعب العثور على وضعية مريحة للنوم، ومشاكل الجهاز الهضمي مثل ارتجاع المريء قد تسوء أثناء الاستلقاء، ويمكن أن تسبب اضطرابات الغدة الدرقية صعوبة في النوم أو النعاس المفرط.
الأدوية والعقاقير
الكثير من الأدوية لها تأثيرات جانبية تؤثر على النوم، فبعض أدوية ارتفاع ضغط الدم، وأدوية الربو، والأدوية المضادة للاكتئاب، والستيرويدات، وبعض مسكنات الألم يمكن أن تسبب الأرق، وأدوية نزلات البرد والحساسية التي تحتوي على مواد منبهة قد تجعل من الصعب النوم.
وأدوية النوم، رغم فعاليتها المؤقتة، قد تؤدي إلى اعتماد الجسم عليها وتفاقم مشاكل النوم على المدى الطويل عند التوقف عن استخدامها، كما أن المواد المخدرة تخل بشكل كبير بدورة النوم الطبيعية وجودته.
اضطراب الساعة البيولوجية
يتحكم إيقاع الساعة البيولوجية الداخلية في دورات النوم والاستيقاظ، والعمل بنظام الورديات أو النوبات يربك هذه الساعة الداخلية ويؤدي إلى صعوبات في النوم، ويسبب السفر عبر مناطق زمنية مختلفة عدم تزامن بين الساعة الداخلية للجسم والوقت المحلي.
كما أن عدم الانتظام في مواعيد النوم والاستيقاظ، خاصة الاختلاف الكبير بين أيام الأسبوع وعطلة نهاية الأسبوع، يربك الساعة البيولوجية.
نصائح طبية للنوم الهادئ
يُعد النوم الجيد أساس الصحة العامة، فعندما ينام الشخص بشكل كافٍ ومريح، يتمكن الجسم من إصلاح نفسه وتجديد طاقته، وتتحسن وظائف المخ والجهاز المناعي، ويحتاج معظم البالغين إلى ما بين 7-9 ساعات من النوم كل ليلة للحفاظ على أداء مثالي.
من الضروري الالتزام بجدول نوم منتظم، حيث يعمل ذلك على تنظيم الساعة البيولوجية في الجسم، لذا، حاول أن تذهب إلى الفراش والاستيقاظ في نفس الوقت كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع، لمساعدة الجسم على التعرف على وقت النوم وتسهيل عملية الخلود إلى النوم، وقبل النوم بساعة على الأقل، ابدأ في تهدئة نفسك من خلال نشاطات هادئة مثل القراءة أو الاستماع إلى موسيقى هادئة أو التأمل.
يجب أن تكون غرفة النوم مهيئة ومصممة بطريقة تشجع على النوم العميق، اجعل الغرفة مظلمة قدر الإمكان، واستخدم الستائر السميكة أو قناع العين إذا كان الضوء يتسرب إلى الغرفة، مع الحفاظ على درجة حرارة معتدلة تميل إلى البرودة، حيث أن درجات الحرارة المرتفعة تعيق النوم الجيد، ويمكن استخدام مرتبة وأغطية مريحة تناسب احتياجاتك الشخصية.
تنظيم النظام الغذائي والمشروبات يؤثر بشكل كبير على نومك، ينبغي تجنب تناول الوجبات الثقيلة قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل، لأن الجهاز الهضمي النشط يمكن أن يعيق النوم العميق، كذلك تجنب المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل القهوة والشاي والمشروبات الغازية بعد فترة الظهيرة، لأن الكافيين يمكن أن يظل في الجسم لعدة ساعات ويمنع من النوم.
التمارين الرياضية المنتظمة تعزز النوم الجيد، ويساعد ممارسة الرياضة المعتدلة في الصباح أو بعد الظهر في تحسين جودة النوم، بينما التمارين المكثفة قبل النوم مباشرة قد تزيد من اليقظة وتعيق النوم، لذا، يُنصح بإنهاء التمارين القوية قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل، ويمكن أن يكون المشي الخفيف أو تمارين الاسترخاء مثل اليوغا أو التمدد جيدة قبل النوم.
ينبغي الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية، لأن الضوء الأزرق المنبعث من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والتلفزيون يمكن أن يثبط إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم. لذلك، يُفضل تجنب استخدام هذه الأجهزة قبل النوم بساعة على الأقل.
تساعد تقنيات الاسترخاء على تهدئة العقل والجسم استعداداً للنوم، ويمكن ممارسة التنفس العميق عن طريق الشهيق ببطء من الأنف لمدة أربع ثوانٍ، ثم حبس النفس لثانيتين، والزفير ببطء من الفم لمدة ست ثوانٍ، مع تكرار هذه العملية عدة مرات.
يمكن أيضاً ممارسة تقنية الاسترخاء التدريجي للعضلات، بشد كل مجموعة عضلية في الجسم ثم إرخائها بالتتابع، بدءاً من أصابع القدم وصولاً إلى الرأس، وأيضاً التأمل أو الاستماع إلى تسجيلات الاسترخاء الموجهة يمكن أن يكون مفيداً.
في حال استمرار مشاكل النوم أو قلة جودته، يجب استشارة الطبيب، لأن بعض حالات الأرق قد تكون ناتجة عن حالات طبية مثل توقف التنفس أثناء النوم، أو متلازمة تململ الساقين، أو الاكتئاب والقلق، وقد يقترح الطبيب إجراء دراسة للنوم لتشخيص أي اضطرابات محتملة. في بعض الحالات، قد يصف الطبيب أدوية مساعدة على النوم على المدى القصير، أو يوصي بالعلاج السلوكي المعرفي للأرق.