وزارة الثقافة .. ذاكرة الوطن ومرآة الهوية

نبض البلد -

محمد علي الزعبي

في وطنٍ صاغته الكلمة، ووشّته الحكاية، وزيّنته القصيدة، تقف وزارة الثقافة شامخةً كقلعة نورٍ في ظلمات التهميش، وكجدار صدّ في وجه التسطّح والانصهار، حافظةً للهوية، راويةً للتاريخ، وناهضةً بالوعي الجمعي نحو فضاءاتٍ من الإبداع والخلود.

ليست وزارة الثقافة مجرّد مؤسسة رسمية تُسيّر أعمالًا مكتبية أو تنظم فعاليات موسمية؛ بل هي النبض الذي يربط الماضي بالحاضر، وهي الساعد الذي يحمي ذاكرة الأمة من التآكل والاندثار، وهي الصوت الذي يعلو بالحرف الأصيل وسط ضجيج التغريب وزيف الحداثة.

لقد كانت الوزارة، ومنذ تأسيسها، حصنًا للغة، وسندًا للفن، وراعيةً للفكر. ففي كل محافظة وقرية، وفي كل ساحة ومسرح، تركت وزارة الثقافة بصمة عزّ ووفاء، لا تُمحى من ذاكرة الوجدان الوطني. وها هي اليوم، بقيادة ناضجة وهمّةٍ مؤمنة، تخطو بخطى واثقة نحو ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة، وصون التراث المادي واللامادي، ودعم المبدعين والمثقفين من مختلف الأجيال والاتجاهات.

وفي هذا السياق، يبرز معالي مصطفى الرواشدة كقامة وطنية وفكرية، تمزج بين الحِكمة والحنكة، وتؤمن بدور الثقافة كأداة لبناء الإنسان وتمتين أركان الدولة. وقد قال معاليه في إحدى المناسبات الثقافية:
"الثقافة ليست ترفًا ولا كمالًا، بل هي ضرورة لبناء مجتمع واعٍ، يعتز بتاريخه، ويواكب متغيرات العصر دون أن يتخلى عن هويته."

بهذه الرؤية المستنيرة، قاد الرواشدة الوزارة لتكون أكثر التصاقًا بالمجتمع، وأكثر حضورًا في الهامش والمركز، وأكثر انحيازًا للفكر المستقل، والفن الأصيل، والتراث النقي.

في مشاريعها الكبرى، كـ "مئوية الدولة"، و"المدن الثقافية"، و"الترجمة والنشر"، وفي مهرجاناتها النوعية كمهرجان جرش، ومعرض عمان الدولي للكتاب، تجد الوزارة وقد تحوّلت إلى حاضنةٍ للمواهب، ومنصةٍ للخطاب الحضاري، ومنارةٍ تشعُّ بقيم الجمال والانتماء.

وإنه لمن الإنصاف أن نُشيد بجهود الكوادر الثقافية الأردنية التي تعمل بصمت، وتصنع الفرق في وجدان الناس، وتحرس تفاصيل الإرث الوطني من التلاشي في خضم المتغيرات. كما لا يمكن إغفال الدور المحوري للمراكز الثقافية المنتشرة في أرجاء المملكة، والتي باتت منصّات حوارٍ وفكر، ومصانعَ طموحٍ وأمل.

إن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية. وفي وطن كالأردن، محفوف بالتحديات ومضروب بالتاريخ، تصبح وزارة الثقافة درعًا من دروع الدولة، ومجهرًا يكشف نبض المواطن، ويجعل من الفعل الثقافي فِعلًا وطنيًا جامعًا، لا يُفرّق ولا يُقصي، بل يوحّد ويُصقل.

في زمن تُباع فيه الهويات وتُشترى، تبقى وزارة الثقافة السدّ المنيع، والبوصلة التي لا تحيد، والحارسة الأمينة لذاكرتنا الجمعية. إنها صوت القلم في زمن الصمت، وصورة الفارس في زمن التراجع.

فلتبقَ وزارة الثقافة، كما عهدناها، قلب الأردن النابض بالمعرفة، ولسان حاله المجبول بالكرامة، ودرعه الذي لا يصدأ، وكنفه الذي لا يُختَرق.