نبض البلد - محمد علي الزعبي
حين يُكتب عن التحديث والإصلاح في الدولة الأردنية، قلّما نجد من يجمع بين التفكير الهادئ والفعل المؤسسي العميق كما يفعل جعفر حسان. من خلال خبرتي ومتابعتي، يتضح أنه ليس من أولئك الذين يُغرقون المشهد بالشعارات أو يتكئون على الظهور الإعلامي، بل هو من رجال الدولة الذين يفضلون أن يتكلم الفعل عنهم.
من موقعه في رئاسة الوزراء سابقًا، ثم مديرًا لمكتب صاحب الجلالة، برز حسان كشخصية تنفيذية تمتلك فهمًا استراتيجيًا للواقع، وتقديرًا عاليًا لأهمية المأسسة في صياغة القرار العام. في أدق اللحظات، كان صوته عقلانيًا، وتصرفه محسوبًا، وموقفه قائمًا على إدراك دقيق لتوازنات الداخل وتحولات الإقليم.
خلال متابعتي لمسار العمل الرسمي، بدت بصماته واضحة في عدد من الملفات المركزية؛ لا لأنه يسعى لنسبها إليه، بل لأنه يشتغل على البنية العميقة للقرار الإداري والسياسي، مدركًا أن الإصلاح الحقيقي لا يأتي دفعة واحدة، بل على مراحل تُبنى بالثقة والانضباط. في الاجتماعات المغلقة، يشهد كثيرون على حضوره المتزن، قدرته على الاستماع، واختزاله للموقف بجملة تُغني عن جدل طويل.
ليس سهلًا أن تجمع في مسؤول واحد بين عمق الرؤية وهدوء التنفيذ، لكن جعفر حسان فعل ذلك مرارًا، واضعًا نصب عينيه مصلحة الدولة، واستدامة مؤسساتها، بعيدًا عن أي حسابات آنية. هو من أولئك الذين يرون أن بناء الدولة لا يكون بردود الأفعال، بل بصياغة سياسات قادرة على مواجهة المتغيرات بثبات.
في ظل مشروع التحديث الشامل الذي يقوده الأردن سياسيًا واقتصاديًا وإداريًا، شكّل حسان واحدًا من أركان هذا المسار، لا بصفته صاحب قرار فقط، بل كمن يؤمن بأن الدولة الحديثة لا تقوم إلا على الكفاءة والانضباط والوضوح. لا يُخفي رأيه، ولا يُغالِ في طرحه، لكنه يعرف متى يتكلم، وكيف يُوجّه، ومتى يصمت ليترك للمؤسسات أن تتكلم بلغة النتائج ، في هذا الزمن الذي تتراجع فيه أحيانًا قيمة الفعل الهادئ لصالح الضجيج، يبقى جعفر حسان نموذجًا حيًا لمسؤول يُنجز من دون أن يطلب الثناء، ويبني من دون أن يهدم ما قبله، ويشتغل على فكرة الدولة بوصفها مشروعًا مستمرًا لا مهمة مؤقتة.