نبض البلد - "مؤثرون بلا تأثير”.. أزمة أولويات تعكس خللاً في إدارة الحضور الجماهيري
تعكس أزمة تذاكر مباراة النشامى والعراق أكثر من مجرد خلل فني أو سوء تنظيم مؤقت، فهي تضع إصبعاً على جرح أعمق يتعلق بطريقة إدارة العلاقة بين المؤسسات الرياضية والجمهور الحقيقي من جهة، وبينها وبين "رموز التأثير الافتراضي” من جهة أخرى.
وفي وقت يتوق فيه المشجع الأردني البسيط للوقوف خلف منتخب بلاده، يبدو أن معيار "عدد المتابعين” على مواقع التواصل بات جواز مرورٍ أقوى من سنوات من الوفاء والتشجيع، ما يكرّس شعورًا عامًا بالتهميش لدى قاعدة واسعة من الجماهير.
وسادت حالة من الغضب والاستياء أوساط الجماهير الأردنية بعد نفاد تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام نظيره العراقي بسرعة غير مسبوقة، ما أثار جدلاً واسعًا حول آلية توزيع التذاكر والجهات التي حصلت عليها فعليًا، في ظل ما وصفه كثيرون بـ”التمييز” و”سوء التنظيم”.
الجماهير التي حاولت اقتناء التذاكر عبر المنصة الإلكترونية المخصصة، فوجئت بتعطل الموقع منذ الساعات الأولى لطرح التذاكر، الأمر الذي حرم الآلاف من فرصة حضور المباراة المرتقبة ومؤازرة "النشامى”، رغم محاولاتهم المتكررة للشراء، ما اعتبره كثيرون خللًا إداريًا يتطلب المساءلة.
في موازاة ذلك، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي معلومات تشير إلى أن جزءًا من التذاكر جرى توزيعه بشكل مجاني من قبل الاتحاد الأردني لكرة القدم على شركات ومؤسسات وبعض الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، في خطوة فجّرت موجة من الغضب الجماهيري، وطرحت تساؤلات حول الأولويات والمعايير التي يتم اعتمادها في توزيع التذاكر.
ووسط هذا الجدل، برز تساؤل شعبي واسع النطاق: من هو "المؤثر” الذي بات يتقدّم صفوف الحضور في الفعاليات الوطنية والمباريات الحاسمة، لمجرد أرقام متابعين افتراضية على منصات التواصل؟ وهل يستحق هؤلاء هذا الامتياز على حساب الجماهير الحقيقية التي تشكل العمود الفقري لدعم المنتخب في كل الظروف؟
كثيرون اعتبروا أن منح الأولوية لهؤلاء في الأحداث الرياضية يعد ضربًا من العبث، مؤكدين أن بعض من يوصفون بالمؤثرين لا يمتلكون أي ارتباط فعلي بالرياضة أو كرة القدم، وأنهم لا يضيفون شيئًا يُذكر للحدث، بينما يُقصى المشجع الحقيقي الذي لطالما شكّل روح المدرجات وسند الفريق في الميدان.
الامتعاض لم يقتصر على الداخل الأردني، بل امتد ليشمل الجالية الأردنية في سلطنة عُمان، التي أعربت عن خيبة أملها العميقة بعد تعذر حصول أفرادها على تذاكر المباراة، بسبب اقتصار البيع على منصة إلكترونية واحدة دون إتاحة الفرصة أمام السفارة الأردنية هناك لتوزيع التذاكر كما هو متبع في بعض الدول الأخرى ضمن مجموعة الأردن.
وبحسب تصريحات عدد من أبناء الجالية، فإن هذا الإجراء حرم الكثيرين من فرصة حضور اللقاء بسبب ضعف الترويج، وصعوبة الوصول إلى المنصة، ونقص المعلومات اللازمة حول عملية الشراء، الأمر الذي اعتبروه "إقصاءً غير مباشر” لجماهير الخارج.
وفي ظل هذه الثغرات، نشطت السوق السوداء بشكل لافت، إذ قفزت أسعار التذاكر إلى مستويات قياسية، ما زاد من استياء الجماهير الأردنية في سلطنة عُمان، وأفقد كثيرين منهم فرصة التواجد خلف منتخبهم في هذا اللقاء المفصلي.
من جهته، اكتفى الاتحاد الأردني لكرة القدم ببيان مقتضب أعلن فيه عن نفاد التذاكر بالكامل، معربًا عن أسفه للجماهير التي لم تتمكن من الحصول عليها، دون أن يتطرق إلى تفاصيل آلية التوزيع، أو يوضح ما إذا كانت التذاكر قد وُزعت على جهات معينة خارج إطار البيع الرسمي.
ومع استمرار الاحتقان الجماهيري، تتعالى الأصوات المطالِبة بمراجعة شاملة لآليات بيع وتوزيع التذاكر مستقبلاً، بما يضمن العدالة والشفافية، ويحفظ حق الجمهور الحقيقي في الحضور والمساندة، بعيدًا عن الأسماء الافتراضية التي صنعتها خوارزميات المنصات وليس مواقف الوفاء في المدرجات.