في خضم الاستعدادات للاحتفال بعيد استقلال المملكة التاسع والسبعين، تتوج سنوات العطاء والعمل والجهد في دولة يتغنى بها شعبها باستقرارها ونهضتها رغم ما عصف ويعصف بها من تحديات ذات أشواك حادة ومؤلمة سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية، عنوانها نكران الذات الداخلي للبعض، وعدم استقرار دول الجوار، واختلاف أولويات الدول ومصالحها المتنوعة.
نحتفل في الأردن ونحن نسجل له أنه بقي صامدًا، وهو لم يكتفِ بخوض غمار التحديات لتجاوزها، وإنما صنع أيقونة التعامل معه بعين، والنظر بالعين الأخرى إلى المستقبل حيث ما يزال ورغم كل الصعوبات، يخط طريق التقدم والتطور والتنمية والتحديث، وقد وضع هدفًا للتحديث السياسي والاقتصادي والإداري، ولم يشكّل ما يمر به من أوضاع صعبة سوى حافز له ولأبناء شعبه، للتأكيد أن المملكة دولة قوية بقيادتها وشعبها ومؤسساتها، ولن تسمح لأيٍّ كان بأن يوقف تقدمها وحضورها العربي وتأثيرها الدولي.
لم يوقفنا العجز المالي عن السير نحو الأمام وإدارة الدفة بحرفية، ولم يؤثر علينا استهدافنا من قبل الساعين لأن يروا الفوضى تنتشر في الأردن لتحقيق مآربهم وأهدافهم الخاصة، ولم تثبط عزيمتنا بعض الأصوات النشاز التي تقلل من حجم المنجز، ولن يؤثر كل ذلك على ما نحن ماضون إليه.
في سفراتي ولقاءاتي المتعددة أواجه سؤالًا مشتركًا في أغلب الدول التي أحط فيها، وهو كيف للأردن أن يكون كذلك وسط العواصف والوضع الاقتصادي الصعب؟ وهو السؤال الذي يُطرح وإجابته دائمًا حاضرة بأن هذه المملكة نجحت في تكوين حالة فريدة من اللحمة الداخلية التي واجهت كل مخططات الإرهاب ومحاولات زعزعة وحدتها، كما نجحت في إدارة الأزمة عبر التعاطي الإيجابي المدروس مع الوضع المالي الذي تمر به، ووجهت أولوياتها نحو ما تستطيع أن تنفذه، ولم تبحث عن سراب وسط صحراء حسبته ماء.
وعندما أشاهد مقاطع الفيديو لأشخاص عرب وأجانب زاروا الأردن وقد تفاجأوا بتنظيمها وجمالها، وهدوئها وأمنها، واستقرارها، وروح شعبها المعطاءة، أقدر لهم تساؤلاتهم وهم يعتقدون أن الدولة الفقيرة هذه من المفترض أن تكون مهزوزة مرتبكة لا تقدم فيها ولا نهضة.
عيد الاستقلال الذي نعيشه ليس يومًا نرفع فيه الأعلام فقط، وإنما هو إعلان بأن الأردن دولة تتغنى، رغم التحديات التي يعيشها مواطنوها، بما أنجزته وحققته في ضوء ما سبق ذكره، والإعلان أيضًا أن الشعب يقف خلف القيادة، نحو تطلعات التقدم والازدهار الذي نسعى للوصول إليه، من أجل حياة أفضل للأجيال القادمة، إنه إعلانٌ بأن الأردن ماضٍ بطريقه نحو الأمام ولن يقف في وجهه أيُّ صعوبةٍ من شأنها أن تعيق تحقيق أهدافه.