نبض البلد -
حاتم النعيمات
تشهد علاقة نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب توترًا واضحًا، حيث لم تشمل جولة ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط إسرائيل، وأفادت الكثير من التسريبات بوجود خلافات عميقة بينهما حول إنهاء الحرب على غزة، هذا كله يشير إلى تراجع في نفوذ نتنياهو لدى حلفائه التقليديين. وأقول تراجع وليس كسر كما يعتقد البعض.
حكومة نتنياهو تحاول إرضاء ترامب عن طريق إضافة جزء إنساني إلى العملية العسكرية الواسعة المسماة "عربات جدعون" وذلك بوضع نقاط لتوزيع المساعدات في منطقتي المواصي ورفح، وهنا تكمن الخدعة حيث سيتم نقل السكان إلى تلك النقاط وليس نقل المساعدات إلى السكان؛ أي أن ما سيحدث هو عملية تهجير أخرى تحت ذريعة توزيع المساعدات.
العملية ذاتها بدأت قبل يومين بمجازر خلّفت مئات الشهداء، بالتالي فهي ليست سوى امتداد لجريمة الحرب التي يرتكبها نتنياهو وحكومته منذ أكثر من تسعة عشر شهرًا، ومجرد محاولة لتمرير الضغوطات الأمريكية على نتنياهو باستخدام بند توزيع المساعدات.
العالم كله يقف اليوم عاجزًا عن إنقاذ أهل غزة من جرائم الاحتلال نتيجة لعوامل كثيرة تخص حماس وسلوكها وعقيدتها وارتباطاتها وأسباب أخرى تخص كل دولة، بالتالي فمحاولة استعطاف العالم يجب أن تسقطها من حسابات حماس كاستراتيجية، وكل ما تفعله خلال عملية التفاوض لا يحترم تضحيات أهل غزة، فلا يعقل أن تفاوض حماس بعقلية المسيطر وكأن حياة الناس ليست في حساباتها.
فوق هذا كله خرج القيادي الحمساوي سامي أبو زهري في لقاء مصوَّر وتفوّه بعبارة قد تكون أصدق ما يعبّر عمّا يؤمن به تنظيمه، حيث قال حرفيًا في معرض إجابته عن الخسائر في غزة: "البيت يعاد بناؤه و الشهيد رح ننتج غيره عشرات الأضعاف" وقبل ذلك وصف القيادي خالد مشعل هذه الخسائر بأنها "تكتيكية"، ومجموع هذا كله يفيد بأن تعريف الخسائر لدى هذا التنظيم رقمي بحت، ويبيّن فيمة الإنسان في القاموس الحمساوي، ويكشف مصدر برود الأعصاب الذي تمارسه حماس في المفاوضات.
النتيجة أن نتنياهو يستفيد بكفاءة عالية من سلوك حماس، وهذا حقيقة بشعة لا يمكن تجميلها أو إنكارها، دعك من مدى إدراك حماس لهذه الحقيقة ولا تلتفت إلى البروباغندا التي يشعلها جمهورها كلما حاولت استعراض ما تبقى لديها من قوة وكأنها تؤكد على الذرائع الإسرائيلية التي تستخدم لقتل المدنيين.
توفير المخارج لنتنياهو كلما تعرّض لضغط داخلي أو خارجي يفترض أن يتوقف، ولا بد من المساهمة في حشره والسعي لإطباق الخناق عليه؛ فهذا المُجرم يواصل حضور جلسات محاكمته بتهم فساد، في سابقة تعتبر الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي أثناء توليه المنصب، وهذا يعني أن القضاء تجاوز الحصانة التي يتمتع بها نتنياهو وما ينقص لإسقاطه هو سحب ذريعة الحرب منه التي يستخدمها لأبعاد سطوة المحكمة. أضف إلى ذلك، أن الضغوطات الأمريكية الأخيرة التي جاءت بعد تحركات الأردن ومصر ودول الخليج خلال زيارة ترامب أصبحت ملحوظة، بالإضافة إلى أن التغيُّر الحاد في الموقف الأوروبي ضد إسرائيل بدا جليًا.
الزخم الكبير ضد نتنياهو يجب أن يُستغل من قبل الدول العربية بغض النظر عن وجهة نظر حماس، فلا يمكن ترك كل هذا القتل والدمار والجوع تحت رحمة الأيدولوجيات المتطرفة التي تؤمن بتعريفات دونية للإنسان.