نبض البلد - الدكتور محمود المساد
شاركت أمس بندوة ناضجة، وعميقة أطلق فيها الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني "ورقة موقف حول التعليم والمناهج"، تصلح، بل تؤسّس لمستقبل الوطن من المدخل الوحيد الصحيح - التعليم والمناهج - توجّه الحزب بها للمجتمع الأردني بكل مكوّناته، وأطيافه، من دون تمييز، أو إقصاء؛ ليرسم - بعد تشخيصه الدقيق لواقع التعليم الأردني - إطار العمل السياسي الذي قد ينهض بالتعليم، والمتعلمين الذين هم بحق رأس مال الدولة البشري الذي يبني بتميزه، ومعرفته قوّة الدولة الأردنية، ومستقبلها المنيعالمزدهر.
أتوقع - إن أرادت الجهات المعنيّة أن تقرأ الورقة بعناية واضحة، وفهم تام، ووعي ناضج، ورغبة طموحة - فبمقدورها أنتلتقط جملة من الرسائل التي بوساطتها تقود إلى التغيير الشامل المنشود، الذي تتحقق به الآمال، وهذه الرسائل هي:
1- التعليم شأن مجتمعي يجب أن لا يُترَك للتربويّين فحسب،فهو أداة الدولة في تشكيل أفراد مجتمعها بالشكل، واللون الذي تريده، ويعكس بحق مكوّنات مجتمعها وأطيافه. وهنا يلزم تحديد السّمات، والخصائص التي تريدها، بل وتطمح إليها في الخريج بوصفه منتَجًا لعملها، وفي ضوء ذلك يتم تقييمها عليه.
2- العمل على إعادة تصويب مسيرة التعليم نحو هدفه الرئيس،وهو المتعلم/ المتعلمة، بعد أن انحرف التعليم بهدفه نحو المحتوى، واقتصر على حفظه، واستذكاره على أوراق الاختبارات، مع العلم أنها أدوات فقط لإعمال العقل، واكتساب مهارات التفكير، وإنتاج المعرفة.
3- الوصول إلى اليقين بأن المتعلم/ المتعلمة هما المُدخل الرئيس لنظام التعليم، وأن المجتمع جاء بهما للمدرسة من أجل التعلم،وليس من أجل الاستماع فقط. ففي التعلم يتفاعل الطلبة مع الموقف التعلمي بحواسهم كافة، في حين ما نمارسه حاليا يقتصر على الاستماع، وبث المعلم لما يعرف. وهنا يجدر القول:إن هناك فرقًا بين المسجد والمدرسة، في المسجد يجب الاستماع، وفي المدرسة يجب التفاعل، والتأمل، والانغماس،والتعبير، والاستمتاع.
4- مراعاة حاجات المجتمع الحقيقية المتنوعة بشكل يضمن المساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص. لقد ابتعد نظام التعليم عنها إلى تهميش فئات وطبقات، وبخاصة الأطراف، والتحيز الواضح للأغنياء وأصحاب المواقع المؤثرة، حتى بات التعليم حِكرًا عليهم، وعلى أبنائهم، ومواقعهم محفوظة بعد تخرجهم،وغيرهم ينتظر إعلانات التوظيف، على الرغم من بيع الأرض الوريث الوحيد من أجل دراسة الأبناء.
5- كبح جماح تراجع شروط الحضانة الصحية لبيئات المواقف التعلمية، حيث غدت مملة، وباهتة، وجافة، وقلقة. والحاجة ملحّةلبيئات حاضنة، ودافئة، وحافزة، وإيجابية التواصل.
6- بذل الجهود المخلصة لإعادة هيبة المعلم ومكانته، كونه الأساس الأهم للتعليم الناجح. نعم، لقد بات المعلم فاقدًا مكانته داخل الوسط الاجتماعي، وفاقدًا تقدير الآخر له، ( مع الفارق بين الذكور، والإناث )، والحاجة اليوم ملحّة بدرجة عالية لإعادة الألق إليه من جديد، والاهتمام بمكانته معنويّا، ومِهْنيّا، وماديّا؛ وهو كما نعلم جميعا أنه القدوة الصالحة،وأن يحظى باحترام شديد؛ من أجل أن نصل به إلى ما يريده الوطن، ويصبو إليه من منَعة، وازدهار.
7- ومن دون تحسين كل ما سبق بشكل شامل ومتكامل، فلا أمل بمستقبل مناسِب!!.