تاريخ الحملات الإعلامية المعادية الأردن

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

 

عندما كان خصوم الدولة الأردنية لا يملكون من الوسائل الإعلامية غير الجرائد الورقية فإنهم لم يترددوا في تخصيص أعمدة ومساحات لمجموعة من الكتاب لتوجيه الإساءة للأردن، وعند الرجوع إلى الأرشيف الخاص بهذه الجرائد في أربعينيات القرن الماضي وما بعده يمكن ملاحظة الكثافة في نشر المواد الصحفية التي تتناول الأردن بأساليب مختلفة، تراوحت بين التحليل السياسي الموجه والتقارير الملفّقة والمقالات التحريضية والتي كان مضمونها يهدف إلى تشويه موقف الأردن من القضية الفلسطينية.

 

تطور الأمر عندما شاع استخدام تقنية الراديو في العالم العربي، حينها أصبحت بعض العواصم العربية قاعدةً لبث موجات إذاعية تستهدف الأردن وقيادته الهاشمية وتاريخه الوطني ودوره الإقليمي والتي كانت تجد صداها لدى جماهير الأنظمة والتنظيمات السياسية المعادية للحكم الملكي والجموع البشرية المتأثرة بالخطابات الأيديولوجية الصادرة عنها. يشبه الأمر إلى حد كبير ما يُمارس إعلاميًا ضد الأردن من حملات مشينة رغم اختلاف الأدوات المستخدمة فيها والقائمين عليها.

 

رغم فناء خصوم الدولة الأردنية في القرن الماضي وانحسار نفوذهم السياسي وفشل كل رهاناتهم على سقوط الأردن أو السيطرة عليه إلا أن أساليبهم في الخصومة السياسية لم تختفِ، بل أُعيد تدويرها وتحديثها، فانتقلت من الصحف والراديو إلى شاشات التلفاز ثم منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد عليها اليوم جماعات وتنظيمات سياسية معادية للأردن تواجه مأزقًا وجوديًا في العالم العربي ولم تعد تحظى بأي شرعية حتى في البلاد التي نشأت فيها وانتشرت منها إلى بلدان أخرى، ومع ذلك، فإنها لا تتوقف عن تنظيم حملات إعلامية بهدف بناء صورة سلبية عن الأردن لدى الجمهور العربي لأسباب مختلفة، تتنوع بين الرغبة في إثارة الفوضى والقلاقل في البلاد أو الانتقام منها إثر الإجراءات الأمنية التي اتخذتها بعد الخامس عشر من نيسان العام الجاري.

 

لم يستفد هؤلاء من التجارب التاريخية التي خاضها أسلافهم في استهداف الدولة الأردنية من بوابة الإعلام، ولذلك فإنهم يتبعون الأساليب ذاتها للإضرار بصورتها أمام الرأي العام العربي، مستغلّين حالة الهيجان الإقليمي التي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023 لإثارة المشاعر والتلاعب بالسياقات الإخبارية لبناء صورة مشوهة عن الدور السياسي البارز للأردن لوقف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والإساءة لجهوده الإغاثية والطبية الحاسمة في إنقاذ الغزيين.

 

على أي حال، يُثبت الأردن أنه كان وما يزال قادرًا على تجاوز هذه الحملات الإعلامية برصانة مؤسساته ووضوح توجهاته ونقاء مواقفه الوطنية والقومية، وهو ليس بحاجة صكوك براءة من الجهات التي تحاول الطعن في دوره أو التشكيك في مسيرته. وقد أثبت الأردن على مدار عقود قدرته على مقاومة الضغوط السياسية والتصدي للحملات الإعلامية التي تُمارس ضده دون الشعور بالاستفزاز والانجراف إلى ردود أفعال لحظية. أما من يصرّون على أن يكونوا أداة سياسية أو إعلامية قابلة للتأجير لدى أي فاعل إقليمي، يليق بهم هذا الدور المثير للشفقة، بعد أن ارتضوا التبعية وتحويل الفكر إلى سلعة تباع وتشترى، وغدًا عندما تتغير المعادلات السياسية فإنهم لن يكونوا أكثر من مجرد خسارة جانبية في حسابات مشغّليهم!