وضح الكاتب السعودي محمد الهاجري؛ في مقاله المنشور في صحيفة "اليوم" السعودية بعنوان: «روح العمل التطوعي.. حين نعلّم الأجيال كيف يعطون قبل أن يطلبوا» كصرخة ضمير ونفَسٍ إصلاحي يدعو إلى العودة للجذور الأصيلة للمجتمع، حيث القيم، والنخوة، والتكافل، والتطوع الصادق الذي ينطلق من الإحساس بالآخر، لا من عدسات الكاميرات أو مواسم الجوائز.
وأكد الهاجري في مقاله أن العمل التطوعي لا يجب أن يكون حِكراً على المناسبات أو مجرّد مبادرة موسمية، بل ينبغي أن يتحول إلى ثقافة متجذّرة تُزرع في البيوت، وتُروى في المدارس، وتُثمر في الحيّ والمجتمع. منطلقاً من قناعة راسخة بأن " بناء مجتمع يحتضن التطوع لا يبدأ من الصدقات أو الطرقات بل من البيوت"، كما قال في اقتباس مركزي عبّر فيه عن جوهر الرسالة التي يحملها المقال.
وأضاف الكاتب أن الطفولة هي المرحلة الأهم في تشكيل الوعي الإنساني، وهي التربة الخصبة التي يجب أن تُغرس فيها بذور العطاء، مشدداً على أن الأطفال حين ينشؤون على رؤية آبائهم يطعمون جيرانهم، أو يساندون محتاجاً، أو يهبّون لمساعدة متضرر دون مقابل، فإنهم يكبرون وهم يرون الخير جزءاً من عاداتهم لا مجاملة طارئة.
كما تناول المقال أهمية تحويل فكرة " العمل التطوعي" من مجرد نشاط اجتماعي إلى قيمة إنسانية نابعة من الضمير، يختارها الإنسان لأنه يؤمن بواجبه تجاه مجتمعه، لا لأنه يبحث عن شكر أو مدح أو ظهور.
وقال الهاجري في مقاله نحن بحاجة إلى جيل يتعلّم كيف يعطي قبل أن يطلب، ويشعر بالآخرين قبل أن يلتفت لنفسه، جيل يعرف أن قيمة الإنسان ليست بما يملك، بل بما يمنح.
وبعدها انتقل الكاتب إلى الحديث عن أثر التطوع في بناء المجتمعات، معتبرًا أن المجتمعات التي تتنفس بالعطاء والتكافل، تحيا بسلام واستقرار حتى في أصعب الظروف. أما المجتمعات التي يندر فيها الحس التطوعي، فإنها تقع في شِباك الأنانية والتفكك والتنافر.
ولم يغفل المقال دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في ترسيخ مفهوم التطوع، حيث طالب الكاتب بأن تُدرج مادة عن " العمل التطوعي" في المناهج الدراسية، لا كمعلومة نظرية بل كممارسة حياتية، تُربّى فيها الأجيال على المشاركة، وعلى أن اليد التي تعطي، لا بد أن تعود إليها البركة أضعافًا.
كما أشار إلى أهمية أن يتحول الإعلام من مروج للصورة إلى راصد للحكايات الخفية خلف العمل التطوعي، حيث قال: " لا نحتاج إلى منصات تستعرض العطاء، بقدر ما نحتاج إلى رواة يسردون قصص أناسٍ يزرعون الخير في الخفاء" .
وفي ختام مقاله، أوضح الهاجري برسالة عميقة، دعا فيها الآباء والمربين وكل أفراد المجتمع أن يكونوا قدوة في العطاء، لا بالقول بل بالفعل، وأن يصنعوا من بيوتهم بيئة تزهر بالعطاء والبذل، مؤكدًا أن أعظم استثمار نقوم به اليوم هو بناء جيل يعرف قيمة العطاء قبل أن يعرف قيمة الطلب.