نبض البلد -
أحمد الضرابعة
لا يمكن الجزم بأن مسار التحديث السياسي سيظل نافذًا كما خُطط له في ظل تراكم العوامل التي لا تُشجّع على قطع أشواط إضافية منه طالما أنها ستعيد إنتاج الحالة السياسية دون حدوث أي تغييرات مأمولة، فالأحزاب السياسية التي خاضت غمار الانتخابات النيابية دخل معظمها بعد إعلان نتائجها في سُبات، فلا هي راجعت أسباب نجاحها أو فشلها، ولا أعادت ترتيب أوراقها السياسية والتنظيمية والمالية استعدادًا للمرحلة القادمة، رغم أن انتخابات المجالس البلدية، ومجالس المحافظات - إن لم تُلغَ - ستتم في وقت قريب، ومن المفترض أن تكون هذه الانتخابات تمرينًا لكافة الأحزاب السياسية، ولكن المؤشرات الحالية لا توحي بأنها تستعد بشكل جاد لهذه المرحلة، فغياب المراجعات التنظيمية والبرامجية، وعدم وجود أنشطة سياسية واضحة تعكس استيعاب دروس تجربة الانتخابات النيابية يطرح تساؤلات حول مدى جاهزية هذه الأحزاب لخوض الاستحقاقات القادمة والحصول على نتائج مختلفة.
ينسحب الأمر ذاته على الواقع البرلماني، حيث يعبّر مجلس النواب الحالي وفقًا لتركيباته الحزبية عن إحدى أهم تجليات مشروع التحديث السياسي الذي تبلور بعد إجراء تعديلات جوهرية في القوانين المرتبطة بالانتخابات والعمل الحزبي، حيث تستحود الأحزاب السياسية على 104 مقاعد نيابية من أصل 138، ومع ذلك لم تحدث أي تغييرات جوهرية في الأداء البرلماني، حيث استمر حضور المظاهر السلبية تحت القبة، وسط غياب ملحوظ للثقافة الحزبية، وهذا يعكس أزمة بنيوية في العمل الحزبي داخل المؤسسة التشريعية، حيث لم تؤدِ زيادة عدد المقاعد الحزبية إلى نقلة نوعية في الممارسة البرلمانية.
من المفهوم أن مشروع التحديث السياسي يمضي في مسار تدريجي طويل، ولكن المطلوب في المرحلة الأولى منه أن تكون التغييرات جوهرية تطال الفكر والممارسة، وأن يدل الانتماء الحزبي على وجود رؤية سياسية وتنظيم قانوني، لا أن يكون شكليًا ومحصور في التحالفات الانتخابية والتقارب الموسمي في مساحات السياسة.
الأهم من الاستمرار في مشروع التحديث السياسي، أن يكون مجديًا ويحقق المراد منه، لا أن يقتصر على تغييرات شكلية لا تفضي إلى تحول جوهري في الممارسة السياسية.