حاتم النعيمات
نشر مركز الدراسات الاستراتيجية الأحد نتائج استطلاعه المتعلّق بتقييم الأداء الحكومي، التقييم هو الثالث لحكومة الدكتور جعفر حسان؛ حيث كان الأول عند تشكيلها والثاني بعد مئة يوم والأخير بعد مئتي يوم. الأرقام تفيد بأن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في الثقة بحكومة حسان مقارنة بالاستطلاعات السابقة، إذ ارتفعت ثقة العينة الوطنية (العامة) بقدرة الحكومة على تحمل مسؤوليات المرحلة إلى 65% خلال مئتي يوم من تشكيلها، مقارنة بـ51% في استطلاع المئة يوم و54% في الاستطلاع الذي أجري عند التشكيل. أما العينة المختصة المكونة من قادة الرأي فقد ارتفعت الثقة بالحكومة لدى هذه العينة بنسبة 9% بالمقارنة مع استطلاع التشكيل. بالمجمل، فإن 74% من الأردنيين يرون أن الأمور تسير بالاتجاه الإيجابي.
لهذه الأرقام دلالات واضحة ومهمة تؤكد أن هذه الحكومة تعمل بشكل مختلف؛ فتشكيلة الحكومة -مثلًا- لم تكن مختلفة بشكل كبير عن سابقاتها، ومع ذلك فقد ارتفعت نسبة من يعتقدون بقدرة الفريق الوزاري على تحمل مسؤولياته بنسبة 13% خلال المئتي يوم بالمقارنة مع استطلاع التشكيل. إذن هناك نسق جديد في العمل لمسه المواطن لدى الوزراء حتى أولئك القادمون من الحكومة/الحكومات السابقة.
الواقعية الإدارية في عمل هذه الحكومة كانت واضحة من خلال الزيارات الميدانية للرئيس وفريقه، ومن خلال عقد جلسات لمجلس الوزراء في المحافظات، وهذا باعتقادي قلل من الفجوة الكلاسيكية المتراكمة بين الحكومات والناس، وأَشعَر العينة العشوائية (الوطنية) والمختصة بأن هناك تغييرًا حقيقيًا في معالجة الأمور.
الرئيس أيضًا ظهر في عشرات الزيارات الميدانية يحمل قلمًا وورقة لتدوين الملاحظات من عمق الميدان، ولهذا المشهد أهمية كبيرة في الذهنية العامة تعكس إصرارًا على الرقابة الدقيقة القريبة على نتائج عمل المؤسسات، وتعكس أيضًا الشعور بأن هناك من يتفاعل مع الناس وهمومهم دون وسيط أو تجميل، وهذا باعتقادي جزء مهم من أسباب ارتفاع مستوى الرضا عن هذه الحكومة.
لا يمكن عزل ارتفاع شعبية هذه الحكومة عن إدارتها لملف المساعدات الأمريكية كنتيجة للزيارة التاريخية لجلالة الملك إلى واشنطن والتي رفض خلالها جلالته مخططات التهجير وأثبت بحنكته أن قضية المساعدات المُقدمة للأردن ليست ثمنًا لأي موقف بل هي شكل من أشكال التعاون بين دولتين. رئيس الوزراء نجح بعد هذا الجهد الملكي في إتمام الإنجاز باستعادة التعاون مع الولايات المتحدة والتي استأنفت بدورها صوف جزءٍ كبيرٍ من المساعدات التي قُطعت بعد تسلّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة.
الحكومة أيضًا كانت حاسمة في ملف خلايا جماعة الإخوان، وأبدت صلابة ملحوظة في مواجهة تنظيم متغلغل عاموديًا وأفقيًا في المجتمع الأردني دون تردد، فقضية التنظيم كانت عابرة للحكومات لكن حكومة حسان على ما يبدو قرأت سياقات الداخل والإقليم والعالم بذكاء بعد انكشاف المخطط الإجرامي. صحيح أن أي حكومة موجودة كانت لتتصرف بنفس الكيفية إذا تم الكشف عن مثل هذه الخلايا في عهدها، لكن تعهد الحكومة الحالية بالسير قدمًا في ملف التحديث السياسي عند تشكيلها وضعها أمام تحدي في مواجهة من يريدون إظهار تقديم الضرورة الأمنية على أنه انقلاب على مسيرة الإصلاح بالمجمل. بشكل استباقي، كان للحكومة الدور الكبير في ضبط الآثار الجانبية المحتملة لعملية حظر جماعة الإخوان من خلال تطبيق القوانين والتعليمات على من أرادوا إثارة حملات إعلامية وإلكترونية ضدها.
على صعيد آخر، يعتبر الملف الاقتصادي من أهم التحديات التي تواجه أي حكومة في الأردن، وهذه الحكومة ليست استثناء، ولأكون واضحًا فإن نسبة 52% من الأردنيين الذين يرون في الاستطلاع الأخير أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح غير كافية، رغم أن هذا الرقم ناتج عن ارتفاع مقداره 14% -قفزة ملحوظة- عن نظيره الذي نُشر في نيسان 2023، إلا أن عدم رضا 48% بالمقابل ليس بالرقم السهل في السياق الاقتصادي كما يرى الكثير من المحللين. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة تحتاج لأداة تواصل مع الناس تختص بالملف الاقتصادي وتحدياته، فانعكاس التقلبات المحيطة يجب أن توضح، فلغة الاقتصاد مبهمة بطبيعتها فكيف إذا كان مربوطًا بمحيط كمحيطنا المتغير.
ارتفاع الرضا الشعبي عن أي حكومة هو ظاهرة صحية، ومؤشر استقرار، لأن اشتباك الحكومات مع الرأي العام قد يستنزفها، وهذه الحكومة قامت منذ تسلمها لمهامها الدستورية بإعادة النظر في العديد من القرارات الحادة التي ورثتها من الحكومة السابقة، وكان ذلك جيدًا كبادرة حسن نية ومؤشر على اختلاف النهج.
هذه النتائج تضع على كاهل الحكومة مسؤولية إضافية، فهي تعكس الأمل و"العشم" لدى المواطن بتحسُّنٍ أكبر في إنجاز المشاريع الكبيرة كمشاريع النقل والمياه والطاقة، فهذا كله يصب في استراتيجية الاعتماد على الذات التي أصبحت استحقاقًا لا مفر منه في هذه المنطقة العاصفة.