هل نحتاج لمراجعة سياساتنا فيما يخص الوضع السوري المتقلِّب؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

من الواضح أن إسرائيل لا تنوي كف يدها عن الجنوب السوري، فهي تحاول اليوم إضافته إلى مجال مناوراتها تحت عنوان حماية الأقلية الدرزية، حيث قصف الطيران الإسرائيلي قبل أيام مجموعة عسكرية تابعة للحكومة السورية كانت تتجهز لهجوم ضد مجموعات درزية في منطقة صحنايا جنوب دمشق. هذا الوضع ليس بغريب إذا قرأناه في سياق تصريح لنتنياهو قال فيه أن على إسرائيل الاحتفاظ بالقدرة على الحركة في جنوب سوريا. مجمل "الذريعة" الإسرائيلية يرتكز على تبريرين رئيسيين وهما حماية الأقلية الدرزية وفرض الأمن خارج الحدود للوقاية من أي تهديد من أي فصيل إسلامي سواء كان سني أم شيعي.

 

إسرائيل تتحرك بحرية شبه مطلقة في المناطق التي أخلتها إيران أو أي من وكلاءها، وتتحرك اليوم في جنوب سوريا لأن النظام الجديد يواجه تحديات هائلة في الخارطة الديموغرافية، ويتعامل أيضًا مع الكثير من الأيادي الدولية الممدودة داخل سوريا.

 

ولفهم ما يحدث من وجهة نظر أردنية، يجب اعتماد قاعدة بسيطة وهي أن النظر إلى النتائج أهم من النظر إلى الطرائق والنوايا في تفسير تصرفات الدول؛ فإسرائيل تسيطر اليوم على أرض محاذية لحدودنا الشمالية، وتركيا ذات المشروع الأيدولوجي الإخواني التوسعي تمارس الوصاية على عاصمة تلك الدولة. وما يحدث بين هاتين الدولتين (إسرائيل وتركيا) من تفاهمات "على" سوريا عبر محادثات غير معلنة في أذربيجان يجب أن يُقرأ على الباروميتر السياسي الأردني بعين الشك والريبة.

 

جميع مجالات الحركة الإسرائيلية تؤثر على الأردن، سواء في الضفة أو في جنوب سوريا، مع فارق أن ملف الضفة مكشوف بالنسبة لنا ونعرف كيف نتعامل معه ولدينا الكثير من الأدوات والأوراق لمعالجته. لكن الملف المقلق الجديد هو ملف الجنوب السوري، حيث يُظهر نتنياهو نواياه لتحقيق سيطرة دائمة هناك، وهذا بطبيعة الحال يتطلب من الدولة الأردنية أن تتحرك دون انتظار الأحداث، ولا يكفي في ذلك التنسيق فقط مع السلطة الجديدة في دمشق بل يجب فتح جميع الخطوط مع كل من تركيا والولايات المتحدة وروسيا وحتى إسرائيل ذاتها، لأن الاعتماد على حكومة دمشق الحالية غير كافٍ بتصوري؛ فالدولة السورية الحالية ضعيفة جدًا بعد حلّ جيشها وتدمير بنيته التحتية، دعك من أنها لم تستطع لغاية اليوم إقناع العالم برفع العقوبات عنها بشكل كامل. الحركة الأردنية يجب أن تكون شبكية وليست خطية، فنحن فعليًا أمام بؤر متعددة ذات ديناميكية عالية، لذلك، لا يمكن أن تتركز الجهود على التعامل مع طرف واحد، بل نحتاج لتوليفة ذكية لضمان أمننا.

 

من الجيد أن الدولة الأردنية تقوم الآن بترتيب الخارطة السياسية الداخلية بالتزامن مع هذه التغيرات وغيرها في المنطقة، فلا يمكن أن يبقى تنظيم كالإخوان في أوج قوته في ظل تنامي النفوذ التركي في سوريا؛ تركيا تحتضن على أراضيها الجزء الأكبر والأنشط من التنظيم الدولي للإخوان والذي يطلق عليه اصطلاحًا إسم "مكتب اسطنبول" وهو المكتب الذي يحرّك معظم الحملات الإعلامية الحالية ضد الأردن بعد أن قرر الأخير حظر جماعة الأخوان. ولا يمكن أيضًا أن تقبل سياستنا الخارجية بهذ الشح في الخيارات ما بين إسرائيل وتركيا. فالملف السوري سيتم التفاهم عليه في النهاية من قبل هاتين الدولتين وبرعاية أمريكية كما صرّح ترامب خلال زيارة نتنياهو الثانية إلى البيت الأبيض.

 

ملفاتنا في الجنوب السوري معروفة: الأمن، وتهريب المخدرات، والمياه. وهذه الأخيرة بالغة الأهمية لأن التعامل معها يحتاج إلى التحرك خارج حدودنا على عكس الملفين الأول والثاني اللذان يمكن التعامل معهما من داخل الحدود إلى حدٍ بعيد، فهناك حقوق مائية للأردن ضمن اتفاقية تم خرقها من قبل النظام السوري السابق، وملف المياه في الجنوب الغربي السوري يقع حاليًا في المجال الحيوي الذي يريد نتنياهو فرضه كأمر واقع. لذلك لا بد من إيجاد طريقة للجلوس على طاولة الحوار لتحصيل حقوقنا المائية على الأقل وعدم الاتكال على مخرجات خماسية عمان فقط.

 

تأخرت عملية ضبط الساحة السورية كثيرًا رغم ما تقدمه القيادة السورية الجديدة من تنازلات "أيدولوجية" هائلة لجميع الأطراف، فلا بوادر حقيقية على المدى المنظور لقبول الحكومة الجديدة في المجتمع الدولي بشكل كامل، وفوق هذا كله فإن الوضع الميداني لا يشير إلى استقرار حيث التحشدات العسكرية في الجنوب باتجاه الدروز وفي الشرق باتجاه الأكراد.

 

بتقديري البسيط فإن الأردن مطالب بإعادة تقييم استراتيجيته فيما يخص سوريا بسرعة، ومطالب أيضًا بفتح كافة القنوات مع جميع الأطراف، وبتسريع أيقاع عملية ضبط الخارطة السياسية الداخلية حصرًا للأخطار ودرءًا لتزاحم الاحتمالات.

#الأردن #سوريا #فلسطين