تسع سنوات في خندق صحيفة الأنباط

نبض البلد -

(مئات المقالات والتحليلات، وعشرات التحقيقات، وآلاف الأخبار والتقارير، وصور وقصص صحفية وخبرية ومقابلات عديدة)

في الذكرى العشرين لصحيفة الأنباط، لا أكتب لاحتفل بل اكتب لأكون شاهدا،،،

شاهد على تسع سنوات لم أكن فيها من هواة المكاتب ولا من مدمني التنظير، بل كنت صحفيا ميدانيا، أركض خلف الحقيقة وأجري جري الوحوش خلف الفساد كفريسة،،،،،

وكنت أدخل المؤتمرات كما يدخل المقاتل أرض المعارك، ولم أكن احضرها للاستعراض أو لجمع الابتسامات وصور السيلفي، بل كنت شبحا مرعبا لكل متحدث بصفة رسمية، ومتميز في كسر عنجهية رجالات الدولة وغطرستهم وتعاليهم بفن تركيب وطرح الاسئلة،،،

وكنت أكتب نصوصا تربك كل جبار عنيد، وأجري تحقيقات تقلق مواضع خفافيش الظلام، وأفتح ملفات يعرف الجميع أنها حساسة لكن لا يجرؤ على الاقتراب منها احد،،،

وكشفت كثيرا من قضايا الفساد، واشتبكت مع الدولة ورجالاتها، وتصادمت مع معظم المؤسسات الرسمية والخاصة، وبعض تحقيقاتي اصابت أهدافها بدقة بالغة، وأخفقت أحيانا عدة،،،

وقاتلت الجبارين بالسر والعلن، وانتصرت عليهم بشرف، وانهزمت أيضا في مواضع عدة،، لكني لم أتراجع ولم أساوم يوما على هويتي الصحفية،،،

في رحلتي بقارب الانباط، لم أكن وحدي، بل كان مديرها العام حسين الجغبير ابو عون عزوتي وسندي، يقاتل معي ومن أجلي، ويدافع عن حقي في ما ارصد وانشر والمواد التي كنت أكتبها وكأنه هو كاتبها،،،،

وكان "أبو الحكم" بوصلة الخبرة والهدوء والدهاء الصحفي، ملجأي حين تشتد العاصفة، وسقفا أستظل به كلما ضاقت علي المهنة وشدني الاستسلام والانهزام،،،

وكان هناك طقوس لا تكتمل بدونها المعركة، قهوتي التي يعدها صديقي منعم في كل صباح ومساء، والتي كانت تفتح مداركي وتوسع صدري للكتابة والاشتباك، وكأنها توقظ في داخلي صحفيا جاهزا للقتال،،

وفي كل مصيبة أفتعلها، كان "أبو فيصل" يقف إلى جانبي كأخ حقيقي،، لا يسأل لماذا، بل يقول فقط "شو بتؤمر ابو نظامي بنحرقلك ياهم ابشر وقول"..

في الأنباط اعزائي،،،
لم أتعلم فقط دهاء الصحافة ومكرها، بل تعلمت أخلاقياتها أيضا،، تعلمت كيف أكون عنيدا ونزيها في آن واحد، وكيف أقاتل دون أن أتنازل،، تعلمت تكتيكات الاشتباك مع السلطة دون ان اخسر مهنيتي،،

اليوم، وأنا متفرغ بشكل مؤقت بسبب دراستي، ما زالت الرحلة تسكنني، وما زالت أسئلتي حادة، وذاكرتي مشتعلة، وروحي جاهزة للعودة متى ما نادتني المهنة التي عشقتها،،،

فلم تكن الانباط يوما مكان عمل فقط،، بل كانت جبهة حربية،، وسنواتي فيها فصلا من حياة صحفي لا يكتب ليعجب، بل يكتب ليزعج ويكشف كل جبار عنيد، صحفي لا يتبع، ولا يهادن، صحفي مشاكس كما يطلقون علي، وصحفي محارب كما احب ان اصف نفسي،،،

كل التوفيق والنجاح لوطني الانباط،،،
#خليل_النظامي