كيف غير العقاب الصيني مشهد الحرب التجارية الأمريكية؟
عايش: مستوى معيشة الشعب الأمريكي سيُضرب بالصميم
أبو ديه: السندات الأمريكية أجبرت ترامب على الدخول في مفاوضات تجارية
الصين استخدمت السلاح الجيواقتصادي ضد اليابان في 2010
بكين تنتج 99% من إمدادات العالم من المعادن الأرضية النادرة الثقيلة
الأنباط – مي الكردي
الصواريخ والطائرات لم تعد السلاح الأقوى في الحروب المعاصرة، فقد أثبت التنين الصيني أن السلاح الجيواقتصادي سيكون أداة الحسم في الحرب التجارية المستعرة مع أمريكا.
وأصاب السلاح الجيواقتصادي، الذي استخدمته بكين ضد واشنطن في الحرب التجارية، صميم مسار العلاقات بين البلدين، فرد بكين فاجأ الإدارة الأمريكية بحدتهِ وتزايدهِ.
السلاح الحاسم الذي استخدمته بكين تمثل بتعليق تصدير المعادن النادرة والتلويح ببيع السندات الأمريكية التي تُعد اليوم حصان بكين الجامح أمام هيمنة وتنمر الرئيس الأمريكي عليها.
ويشير مراقبون اقتصاديون إلى أن حيازة الصين الكبيرة من سندات الخزانة تُعد نقطة ضغط على الولايات المتحدة؛ حتى وإن كانت عمليات البيع المكثفة قد تُكبّد الصين خسائر فادحة من خلال خفض قيمة احتياطاتها من العملات الأجنبية.
وعلقت الصين فعلا تصدير مجموعة واسعة من المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات كخطوة من ضمن مجموعة خطوات في حربها التجارية مع الولايات المتحدة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، التي أكدت أن الخطوة الصينية تهدد بخنق إمدادات المكونات الأساسية لشركات صناعة السيارات والطائرات الفضائية وشركات أشباه الموصلات والمقاولين العسكريين حول العالم.
وأضافت الصحيفة أن إمدادات مغناطيسات الأرضية النادرة تمثل حصة صغيرة من إجمالي صادرات الصين وبالتالي لن تسبب أضرارًا اقتصادية خطيرة للبلاد، لكنها قد تكون لها عواقب وخيمة على الولايات المتحدة ودول أخرى.
وإذا نفدت مغناطيسات الأرضية النادرة في المصانع في ديترويت الأمريكية وأماكن أخرى فيمكن أن تؤدي إلى توقف تجميع السيارات وغيرها من المنتجات المزودة بمحركات كهربائية. ويتفاوت المخزون الاحتياطي من هذه المعادن لدى الشركات لذلك يصعب التنبؤ بتوقيت انقطاع الإنتاج.
وحتى العام 2023 كانت الصين تنتج 99% من إمدادات العالم من المعادن الأرضية النادرة الثقيلة، مع إنتاج ضئيل في منشأة في فيتنام، التي أغلقت العام الماضي بسبب نزاع ضريبي.
تضارب الأنباء بشأن المفاوضات
وبينما تتضارب التصريحات بشأن عقد مفاوضات تجارية بين واشنطن وبكين، عقب إظهار نبرة تهدئة من الرئيس الأمريكي بشأن الرسوم الجمركية التي يراها اليوم مرتفعة للغاية على الصين، استطاعت الأسواق العالمية والدولار التنفس من جديد، في وقت اتضح به عمق الضربات التجارية على الواقع الأمريكي مكبدة المواطنين والشركات ثمن الحرب التجارية.
ولا تتوقف المعطيات، مع مضي 100 يوم على ولاية الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، على حتمية تراجع الثقة في مستقبل الاقتصاد والدولار الأمريكي الذي بشأنه أن يشهد ركودًا وسط ارتفاع مستويات التضخم، ما يصفه خبراء بمسمار ترامب الأول في نعش الاقتصاد الأمريكي.
ويذكر أن ترامب جمد تنفيذ قرار رفع الرسوم الجمركية على الكثير من الدول لمدة 90 يومًا لإتاحة المجال للتفاوض بشأن الحواجز التجارية.
الصين استخدمت السلاح الجيواقتصادي سابقًا
وفي عام 2010، استخدمت الصين هذا السلاح الاستراتيجي لأول مرة ضد اليابان، عندما أوقفت صادراتها من المعادن الأرضية النادرة إليها، على خلفية تصاعد نزاعهما الإقليمي على مجموعة جزر في بحر الصين الشرقي، وهو نزاع له جذور تاريخية تعود لقرون مضت.
وصاغت هذه الخطوة مُصطلح "عسكرة المعادن الأرضية النادرة" (The Weaponization of Rare Earths)، الذي يُسلط الضوء على استخدامها كأداة جيواقتصادية قوية لممارسة النفوذ الدولي وتحقيق الأهداف الوطنية.
هجمة مرتدة لصالح الصين
وأشار الخبير الاقتصادي حُسام عايش إلى وجود صدمة بالولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الحرب الجمركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب على العالم واستهدافه الصين التي بادرت للرد على الرسوم، مُبينًا أن الرد فاجأ الإدارة الأمريكية لشدة حدتهِ وتزايدهِ، نظرًا للتصريحات المُرافقة لهُ بأن الصين ستمضي إلى النهاية بالمواجهة مع أمريكا.
وبين أن تداعيات الحرب الجُمركية الأمريكية الصينية وجدت لها تعبيرًا بالأداء الاقتصادي العالمي، حيثُ ترتفع المخاوف من الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وارتفاع معدلات التضخم، إضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي بحسب تقرير صندوق النقد الدولي إلى حوالى من 0.9% - 1.8%.
جيروم باول المفصل الأخير للاقتصاد الأمريكي
ووصف عايش موقف رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي "جيرو باول" بالقوي، الذي أفاد باتخاذهِ السياسات النقدية بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي، موجهًا إلى انه بهذهِ الأُسس حصل نوع من التهدئة عن طريق التصريحات الصادرة عن الرئيس ترامب الذي اعتبر أن الرسوم الجمركية على الصين مرتفعة للغاية وربما يجري تخفيضها إلى أكثر من النصف، لافتًا إلى رد الصين عقب تصريحات ترامب "بأنها لا تُمانع إجراء مُحادثات مع الولايات المتحدة بشرط الاحترام الكامل والمُتبادل ودون أن يكون هنالك هيمنة أو تنمر".
الداخل الأمريكي يتصدع
وتطرق عايش إلى الخلافات التي بدأت بالظهور داخل البيت الأبيض بين وزير المالية "سكوت بيسنت" ووزير الكفاءة الحكومية "إيلون ماسك"، النخبة الاقتصادية الأمريكية، المؤسسات، والقطاعات وتحديدًا التجزئة والمشتريات اليومية مع التذبذب الواضح لسوق الأسهم بمنطق الضبابية والخوف وعدم اليقين، وارتفاع فائدة السندات لمدة سنتين إلا أنها مؤشرات على أن الأوضاع خطيرة، موضحًا أن ارتفاع الفائدة على السندات يُشير إلى أن المستقبل الاقتصادي قصير- متوسط المدى نتيجة لقرارات ترامب.
وبين أن الرئيس الأمريكي أعطى لنفسه فرصة للتهدئة لمدة 3 أشهر وهو الآن "يحاول النزول عن الشجرة مع حفظ ماء الوجه"، مُشيرًا إلى أن الصين رُبما تقدم بعض الإيماءات بهذا المجال دون تقديم سُلم لترامب لكي ينزل ما يستدعي وجود تنازلات يقدمها للطرف الصيني، حيثُ أن حدوث ذلك يعني أن الهيبة الأمريكية أيضًا ستُصاب بالصميم.
هل تودع أمريكا الهيمنة الاقتصادية؟
وبين أن سياسات ترامب أدت إلى ظهور مُعارضين للولايات المتحدة وهو ما يريد عكسه تمامًا، حيثُ بالنظر إلى النتيجة السياسية والاقتصادية والتجارية يُرى أن ترامب بدأ يعود إلى الواقع، مُشيرًا إلى أن سياساتهِ هي من أوجدت حالة عدم اليقين العالمي والإرباك الاقتصادي.
ولفت عايش إلى أن الولايات المتحدة بدأت تتراجع رويدًا رويدًا، وأصبحت تُظهر حقيقة أنها أخطأت التقدير، حيثُ من الصعوبة التكهن بالخطوة التالية للرئيس الأمريكي، مُفسرًا أن الرئيس الأمريكي مُستمتعٌ بحالة الإرباك العالمي وإن دفعت الولايات المتحدة ثمنها، إذ يرى نفسه مُحركًا للكرة الأرضية.
الصين تمتلك السلاح الأقوى
من جهة أخرى، أشار الخبير الاقتصادي منير أبو ديه، إلى أن السندات الأمريكية من أقوى الأسلحة التي تمتلكها الصين في حربها التجارية ضد الولايات المتحدة، حيثُ تمتلك الصين ما يقرب 750 مليار دولار سندات خزينة أمريكية بعد اليابان التي تمتلك 1200 مليار دولار سندات خزينة، مُبينًا أن بيع السندات الأمريكية في السوق العالمي يعني انخفاض الدولار، إذ تعتبر الصين السندات من أهم الأوراق التجارية التي تملكها في حربها التجارية على الصين.
ووجه أبو ديه إلى حاجة الاقتصاد الأمريكي للاقتصاد الصيني وبقية الشركاء التجاريين، حيثُ لا يستطيع الاقتصاد الأمريكي "العيش مُنفردًا" أو وضع رسوم جمركية بأرقام غير مسبوقة، لافتًا إلى تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي صناعة، تجارة، وخدمات، حيثُ بدأ الرئيس الأمريكي بالتراجع عن الرسوم السياسة التجارية الحمائية من خلال الدخول بمفاوضات مع عدد كبير من دول العالم.
السندات مفتاح المفاوضات الحالية
وأكد أن الورقة الاقتصادية الأقوى هي "السندات الأمريكية" وهي التي أجبرت الرئيس الأمريكي على الدخول بمفاوضات جادة مع الصين وإنهاء موضوع الحرب التجارية بأسرع وقت، حيثُ ستتراجع الولايات المتحدة عن الرسوم والشروط التي وضعها دونالد ترامب لتخفيض وتيرة الحرب التجارية.
وبين أبو ديه أن بيع المزيد من سندات الخزينة الأمريكية من قبل الصين والدول التي تملك الاحتياطي الأكبر منها تعني عدم الثقة بالاقتصاد الأمريكي والدولار، حيثُ سيسبب ذلك تراجعًا للدولار أمام العملات الأخرى، منوهًا إلى انخفاض قيمة الدولار مُستقبلًا بصورة واضحة ما سيضع الاقتصاد الأمريكي أمام تحديات جمة تؤدي إلى ارتفاع وتيرة خروج الاستثمارات الأجنبية من السوق الأمريكي.