ماذا بعد الخامس عشر من نيسان؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات
 
بعد الخامس عشر من نيسان أصبح من المرجّح أن الخارطة السياسية الأردنية ستشهد تغييرات كبيرة، وأهم مظاهر هذه التغييرات المتوقعة هو تقييد دور جماعة الإخوان المسلمين وحزبها التابع لها (هذه التبعية محسومة سياسيًا لكنها تحتاج لحسم قانوني). وقد عبّرت عن هذا التوجه قيادات سياسية عليا، كرئيس الوزراء ورئيسي مجلسي النواب والأعيان. لكن هذا الشكل الجديد المتوقع للخارطة يحتاج إلى ترتيبات دقيقة مسبقة.
 
تتجه بعض الأحزاب الوسطية الجديدة إلى الاندماج لتقليل التنافس فيما بينها كما حدث في الانتخابات السابقة، وهذا التوجه إيجابي ويسهم في تقليل تشتّت الأصوات الانتخابية ويقلل عدد الخيارات المتشابهة أمام الناخب. أي أن تقليل عدد الأحزاب ودمج المتشابه منها سينتج كتلًا حزبية واضحة ذات توجهات متخصصة.
 
بتصوري أن هذا الدمج يجب ألا يتم بناءًا على المعيار العددي فقط بل معيار نوعي يهدف إلى حمل الحالة السياسية القادمة؛ فكثير من أعضاء هذه الأحزاب انضموا إليها باعتبارها جزءًا من عملية الاقتراع لا مؤسساتٍ فاعلة عابرة للانتخابات. لمواجهة السمة العددية لا بد من فرض التزامات حزبية تُفرز بين المهتمين فعلًا بالعمل الحزبي وغير المهتمين. إن مشكلة "جدية الأعضاء” مسألة محورية، إذ أن حلها سيؤسس لبنيان حزبي متماسك، قادر على لعب أدوارٍ مهمة وعلى سد فراغات واسعة قد يتسبب بها شغور مكان تنظيم الإخوان.
 
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أحزابًا تعاني من مشاكل مالية وهيكلية ويتوجب عليها تصويب أوضاعها قبل الدمج. ولا أعتقد أن الحكومة الأردنية ستتوانى عن دعم التجربة الحزبية ومشروع الإصلاح السياسي، لأنه الطريق الأمثل لترسيخ المشاركة السياسية الفاعلة، ولتصويب ما شاب المشهد السياسي من تدخلات خارجية عبر أذرع داخلية.
 
تاريخيًا، تحتاج الأحزاب والتيارات السياسية إلى ظاهرة سياسية حادّة لتتكون على جنباتها، ويتناسب مستوى تماسك الجسم السياسي الناتج طرديًا أثر هذه الظاهرة، لذلك، فاستيلاد التيارات السياسية غالبًا ما يُنتج كيانات هشّة. وقد حقق الأردن هذا الشرط عبر مواجهته لظاهرة الاستقواء على الدولة ومحاولات اسقاطها وزجّها في مشاريع خارجية ضمن تفاعلات منذ بداية ما سُمّي بالربيع العربي عام 2011 وأمام ارتدادات عملية السابع من أكتوبر في الداخل، لكنها، ولحسن الحظ، فرضت حالة من التأمّل السياسي على الجميع، وأنتجت قوى وطنية ترفض تصوير الأردن ككيان وظيفي أو كأداة لمشاريع إقليمية.
 
إذن، الظاهرة السياسية الحادة اللازمة لتكوين أحزاب سياسية متماسكة أصبحت موجودة، والرغبة في الإصلاح السياسي حاضرة ومدعومة ملكيًا، والقوى الخارجة عن الأعراف السياسية الأردنية قد انكشفت للجميع. وعليه، لم يبقَ سوى أن نتعامل مع القادم كمشروع وطني تاريخي سيغيّر شكل العمل العام في الأردن بشكل جذري. ولعل من يراقب حركة الشارع بعد السابع من شباط، وخلال استقبال جلالة الملك بعد زيارته لواشنطن، وما يجري اليوم في الجامعات، يدرك أن القادم سيكون مختلفًا، فالظهير الشعبي للعملية أصبح يعبّر عن نفسه بشكل أكثر جرأة.
 
إنها فرصة تاريخية لإنهاء حالة العبث السياسي التي مارستها بعض التيارات المتخادمة مع الخارج، وفرصة سانحة لخلق خارطة سياسية صحية، كغيرنا من دول العالم. الأردنيون أثبتوا عبر التاريخ أنهم ينحازون إلى وطنهم وقيادتهم عند المنعطفات مهما اختلفوا. فلنحمل هذا الانحياز ونصنع منه حالة حزبية صحية، تطرح الحلول والبرامج وتراقب الأداء العام للحكومات لتجويد الأداء العام.
 
المؤشرات تقول أن السيادة القادمة ستكون لفقه الدولة الوطنية المعتمدة على ذاتها بالعمل السياسي الوطني المخلص. ولن يكون هناك برامج عابرة للحدود كنا يعتقد البعض، لذلك فإن ما يحدث يجب أن يُسبق بالتخطيط الجيد والحزم ضد كل من يحاول تسخير هذا البلد لمصالحه التنظيمية الخارجية والداخلية.