حاتم النعيمات
بدأت منصات ومواقع ونشطاء جماعة الإخوان المسلمين حملة إعلامية مضادة، بعد أن كُشفت مخططاتها بجهود من دائرة المخابرات العامة؛ حيث أظهرت التحقيقات والمتابعات وجود مجموعة تابعة للجماعة سعت إلى تصنيع أسلحة، تشمل صواريخ وطائرات بدون طيار، إضافة إلى تجنيد عناصر لأغراض إرهابية.
ترتكز الحملة الإعلامية المضادة على ترويج فكرتين: الأولى، أن الهدف من تصنيع هذه الأسلحة هو دعم المقاومة الفلسطينية، والثانية، أن المتهمين الذين ظهرت اعترافاتهم تصرفوا بشكل فردي، دون علم التنظيم، والمقصود بالتنظيم الجماعة والحزب معًا.
الرد على هاتين الفكرتين (الأولى والثانية على الترتيب) معروف وبسيط: لا توجد دولة في العالم تقبل تصنيع أسلحة على أرضها دون علمها، حتى لو افترضنا – جدلًا – أن الهدف هو دعم المقاومة. أما بالنسبة لمسألة علم التنظيم من عدمه، فالإدانة (السياسية والشعبية على الأقل) تستند في جوهرها إلى طبيعة الأيديولوجيا التي يتبناها قادة الجماعة، والتي يُلقّنونها صباح مساء للأعضاء والشباب المنتسبين.
الإعلام والفضاء الإلكتروني يشكّلان الأداة الأساسية التي يعتمد عليها الإخوان في توسيع قاعدتهم الشعبية. ومن يعرف سلوك هذه الجماعات يدرك أن تلك القواعد تمثّل مدخلات رئيسية لصناعة التطرّف، حيث يتم شحنها عاطفيًا وتأليبها، تمهيدًا لتجنيدها في التنظيم الذي يصدر نفسه كمرجعية دينية ووكيل حصري لمقاومة الاحتلال.
الملاحظ أن التنظيم يسعى إلى جرّ الرواية الرسمية إلى ساحة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كونها ساحته المفضّلة للأسباب التي ذُكرت سابقًا. وقد نجح جزئيًا في ذلك، إذ بدأ جزء ملحوظ من الرأي العام يتبنّى سردية "المظلومية” التي يروّج لها، وبدأ البارزون في التنظيم الحديث عن احترامهم للدولة والنظام.
لذلك، أرى أن الدولة أمام خيارين لمواجهة الدعاية المضادة: الأول، بناء آلة إعلامية قوية على وجه السرعة تكون قادرة على التصدي وتقديم الحقيقة، وهذا خيار يتطلب جهدًا ووقتًا ونقاشًا.
أما الخيار الثاني – الذي أراه الأنسب – فهو نقل المواجهة بأسرع وقت ممكن من ميدان الإعلام والتواصل إلى الميدان السياسي العملي؛ لأن معيار الانتصار في ساحة الإعلام ليس صحة الرواية، بل مدى تداولها وانتشارها.
ما سينتج عن القضاء من أحكام سيقود حتمًا إلى إجراءات سياسية. فالأردن دولة مؤسسات راسخة لا تتخذ قراراتها إلا في إطار القانون.
نقطة الانطلاق في هذه الإجراءات تبدأ من حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين كيان غير قانوني – تم حلّه بقرار من محكمة التمييز عام 2020 – مما يعني أن كل من ينسب نفسه إليها يخالف القانون. وهنا يبرز سؤال جوهري في تحديد اتجاه الأحداث:
"هل يُعتبر حزب جبهة العمل الإسلامي تابعًا للجماعة بحكم عضوية غالبية أعضائه فيها أو بحكم وجوده كجزء من هيكل تنظيم الجماعة؟”
ومن جانب آخر، هل يُعدّ الإعلان عن مناصب وتقسيمات مثل "المراقب العام” و”عضو مجلس شورى” و”الأسرة” تحديًا لقرار محكمة التمييز؟ بالتالي، أليس كل من يمارس عملًا تنظيميًا تحت مظلة الجماعة يعتبر مخالفًا للقانون؟
القضية لا تكمن فقط في إثبات تورّط الحزب من عدمه، بل في إثبات علاقته التنفيذية بجماعة منحلّة بحكم القانون، وأعتقد أن ذلك ليس بالأمر الصعب.
إذا اتجهت الأمور نحو محاسبة أفراد المجموعة الإرهابية فقط، دون أن تمتد إلى محاسبة سياسية شاملة للتنظيم، فإن ذلك يمنح الجماعة فرصة جديدة لإعادة بناء شعبيتها، وهي قادرة على ذلك بسرعة وبدون تكلفة فكرية تُذكر. وقد نستيقظ ذات يوم لنجد أن الرأي العام بات يؤمن أن الدولة الأردنية تمثل بالفعل عائقًا أمام تحرير فلسطين، والتاريخ مليء بحالات أقنعت فيها الجماعة مؤيديها بأمور غريبة، مثل إقناعهم بالذهاب إلى أفغانستان رغم أن فلسطين المحتلة أقرب، وإقناعهم بأن الدولة الأردنية أغلقت المساجد في كورونا دون مبرر، والأمثلة كثيرة جدًا.
استمرار المواجهة في ميدان الإعلام والتواصل ليس في صالح الدولة باختصار، لأن المعيار هناك لا يقوم على الحق والباطل أبدًا، بل على التكرار وتمويل الحملات؛ أي أن قول الحقيقة لا يحسم هذه المواجهة
أما بشأن مستقبل الإصلاح السياسي، فإن ارتباط حزب جبهة العمل الإسلامي بجماعة الإخوان المنحلّة – من خلال الأعضاء والتمويل والأيديولوجيا – يجعله متفوقًا على الأحزاب الأردنية بشكل غير ظالم. فلا يوجد حزب آخر مدعوم من تنظيم يمتلك استثمارات وهيكلًا تنظيميًا وجسمًا عسكريًا وامتدادات دولية، سوى هذا الحزب.
لذلك، أقولها دون مبالغة: عدم محاسبة التنطيم على ما ارتكبه من خطيئة بحق الوطن، سيؤدي في المستقبل إلى ما هو أخطر على الدولة وعلى مسيرة الإصلاح السياسي نفسها وعلى جوهر علاقة الأردنيين بدولتهم.
لدينا جيل من الشباب (من مواليد منتصف التسعينيات وما بعدها) لم يتعرض للتشويش الفكري الذي تعرّضت له الأجيال التي سبقته؛ هذا الجيل لم يعايش الحركات القومية، ولم يتشرّب أفكار اليسار "المستورد”، واستيقظ على وقع نتائج الربيع العربي، وشهد تراجع الهالة الاجتماعية التي أحاطت بجماعة الإخوان بوضعهم على طاولة النقاش في مختلف أنحاء المنطقة. هذا الجيل هو بيضة القبان فيما هو قادم.
يجب علينا أن نحافظ على نقاء تفكير هذا الجيل ما استطعنا، لأنه هو من سيقود الأردن في المستقبل القريب ضمن معادلة الدولة الوطنية والسردية التاريخية الأردنية ومسيرة البناء والاعتماد على الذات. ولتحقيق ذلك، لا بد من تنقية الخارطة السياسية من أي تيارات معادية للدولة – والمعاداة تختلف تمامًا عن المعارضة – أو مرتبطة بمشاريع خارجية. لم يعد بالإمكان الارتهان لما تفرضه تقلبات المنطقة والعالم، وعلينا أن نوجد الحدث بأنفسنا عبر تشكيل خارطتنا السياسية الداخلية بما يتناسب مع مصالحنا فقط.