نبض البلد -
أحمد الضرابعة
قبل أن تعلن الدولة الأردنية إحباط المؤامرة والقبض على عناصرها البالغ عددهم ستة عشر شخصًا، منهم من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، أُرسلت العديد من الإشارات لبعض القوى والتيارات السياسية لتضبط خطابها وسلوكها السياسي وتتوقف عن حالة الشحن والتحريض ضد المؤسسات الوطنية، وكنت من الذين حذروا من قُرب تدشين مرحلة سياسية جديدة ستتغير قواعد اللعب فيها، ما لم تتم الاستجابة لذلك.
ردّت هذه القوى والتيارات السياسية على الإشارات التي تلقّتها بتصعيد أنشطتها الضاغطة على الأمن الوطني والاستقرار، بدءًا من تجريم رجال الأمن وتحويلهم إلى أعداء، وزراعة عقدة ذنب لديهم بسبب التزامهم في تأدية واجباتهم الوطنية، والتعرض للمؤسسات السيادية والتقليل من احترامها رغم دورها التاريخي الحاسم في دعم القضية الفلسطينية، وهذا تنكُّر مزعج للدور الوطني والعروبي الذي لعبته، إلى جانب إخراج المظاهرات عن سياقها السلمي، ودعواتها بين الحين والآخر للإضراب والعصيان المدني، مع مطالباتها الشعبوية بفتح الحدود لقتال إسرائيل، دون أي احترام أو تقدير لحصرية قرار الحرب والسلم الذي يعتبر من أهم القرارات السيادية التي تحددها الدولة وفقًا لمصالحها الوطنية العليا، لا المجموعات الشعبوية التي يتم توظيفها لتحقيق أهداف سياسية.
أمام هذا الإصرار على معاندة الدولة الأردنية ورفض التهدئة، كان من الضروري إطلاع الشعب الأردني على ما يخفيه هذا الغليان الظاهري بسبب ما يجري في قطاع غزة، فالتحركات على "الساحة الأردنية" لم تكن مطمئنة، وبدا أن هناك من يحاول خلق حالة سياسية يمكنها فرض متغيرات جديدة تنسجم مع الرؤية التنظيمية المشتركة لدى جماعات مأزومة في المنطقة، تحاول خلق مساحات إضافية وبديلة للاستفادة منها في الأحوال الطارئة.
المؤامرة التي كشفت عنها دائرة المخابرات العامة بدأ التخطيط لها منذ أربع سنوات، ولكنها اتصلت بالسياق الإقليمي الراهن حيث بلغت ذروة التقدم فيها مؤخرًا، حيث إن البيئة الأمنية في المنطقة أصبحت صالحة لتعميم الفوضى التي بدأت في الساحة الفلسطينية، وسرعان ما انتشرت في ست ساحات أخرى، وهو ما يخدم الرؤية الاستراتيجية للجناح الصقوري في حركة حماس الذي يرى أن السبيل للانتصار يكون بفتح المزيد من ساحات القتال ضد إسرائيل التي تتلقى دعمًا أميركيًا هائلًا، واستفردت بكل ساحة من الساحات السبع التي تم تنشيطها وحققت في بعضها تقدمًا كبيرًا.
ترى بعض التيارات السياسية أن الجغرافيا السياسية الأردنية إن نجحت في توظيفها، ستحصل ورعاتها على قوة إضافية لتحقيق المشروع السياسي الذي تتبناه، وبالتالي فإن إثارة الفوضى والقلاقل في الأردن وإشغال الأجهزة الأمنية في التعامل مع نتائج ذلك، سيتيح لها التحرك فيما تسميه "الساحة الأردنية" دون خطورة، وبالتالي، فإن الحفاظ على الأمن والاستقرار الوطني في بعض الأحيان، يتطلب القيام بخطوات استثنائية، حتى وإن أدت لتعديل بعض التوازنات التي سادت لفترة طويلة.
وأخيرًا، إن المرحلة الإقليمية الراهنة لا تحتمل الصمت على أي مؤامرة أو عبث سياسي يُمارس، وهنا لا بد أن تلتزم كافة القوى السياسية بتوجيهات الدولة الأردنية واحترام مؤسساتها، ودعمها، بدلًا من التشويش عليها ودفعها نحو الفوضى، وإن لم يتم ذلك بشكل طوعي، فإنه سيتم بسلطة القانون والاستجابة لإكراهات الواقع الذي تمر به المنطقة.