- في زاوية بعيدة من العالم، وسط الغابات الكثيفة في مرتفعات بابوا غينيا الجديدة، ظهرت قصة طبية غريبة ومفجعة، بدأت بنوبات ضحك هستيرية وانتهت بموت بطيء ومؤلم.
وتعرف هذه الحالة باسم "كورو"، وهو مرض نادر حيّر العلماء لعقود، وسمي لاحقا بـ"الضحك القاتل" لأنه يصيب الجهاز العصبي ويؤدي إلى نوبات ضحك غير مبررة، قبل أن يتدهور الدماغ بالكامل.
واكتشف مرض كورو في خمسينيات القرن العشرين بين أفراد قبيلة "الفور" الذين كانوا يمارسون طقسا جنائزيا تقليديا يُعرف بـ" أكل لحوم الموتى" كنوع من الاحترام وتخليد ذكرى المتوفى.
وهذا الطقس تسبب في انتقال بروتينات غير طبيعية تُسمّى البريونات (Prions) من دماغ المتوفى إلى أجسام الأحياء، مسببة تلفا تدريجيا في الدماغ.
وأظهرت دراسة نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" أن مرض كورو يشبه أمراض البريون الأخرى مثل جنون البقر وداء كروتزفيلد-جاكوب، ويتميز بفترة حضانة طويلة قد تمتد إلى أكثر من عشر سنوات، لكنه ينتهي دائما بالموت.
ويبدأ المرض بأعراض خفيفة مثل الصداع والارتباك، ثم يتطور إلى: "نوبات ضحك غير مبررة لا يمكن السيطرة عليها، فقدان التوازن والسيطرة على الحركة، تدهور في الذاكرة والوظائف الإدراكية، صعوبة في البلع والكلام، وفي النهاية، شلل وموت خلال سنة من بدء الأعراض".
ورصد الباحث الدكتور دانيال كارلتون غايدوسيك، الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1976، تفاصيل المرض وساهم في إثبات أنه مرض معدٍ ناتج عن البريونات، وليس فيروسا أو بكتيريا.
هل انتهى المرض؟
وبمجرد توقف طقوس أكل الموتى في الستينيات، انخفضت أعداد الإصابات بشكل كبير، ومع ذلك، كشفت دراسة نشرت في "بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس" عام 2015 عن وجود تحور جيني نادر في أفراد قبيلة الفور، يُعتقد أنه وفر لهم مناعة طبيعية ضد البريونات، وهذا التحور الجيني أصبح أحد مفاتيح فهم أمراض الدماغ التنكسية.
ورغم اختفاء المرض تقريبا، ما زال "كورو" يشكل لغزا علميا وأخلاقيا، فهو يربط بين الثقافة، الوراثة، والسلوك البشري، كما ساهمت أبحاثه في تقدم فهم أمراض قاتلة مثل ألزهايمر وباركنسون التي قد تشترك في آليات تلف الدماغ الناتجة عن البروتينات الشاذة.