أحمد الضرابعة
استضافت سلطنة عُمان أول جولة معلنة من المفاوضات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة، بعد أن راكمت واشنطن وتل أبيب الضغط على طهران لمنع امتلاكها سلاحًا نوويًا، وللحد من نفوذها الإقليمي. كان واضحًا أن عودة الجمهوريين للإدارة الأميركية برئاسة ترامب ستضع إيران في مأزق غير مسبوق، حيث أن البيئة الأمنية في الشرق الأوسط، تجعل الولايات المتحدة الأميركية تستحضر كافة الخيارات الممكنة للتعامل مع إيران إذا بقيت مواقفها متصلبة في ملفات النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي، وبالتالي، فإن نظامها السياسي يدرك أنه مستهدف وجوديًا، وقد تلقى العديد من الرسائل النظرية والميدانية التي تؤكد ذلك، حيث مُزّقت أوراقه التفاوضية التي أكسبته الصمود الدبلوماسي فيما سبق، بعد أن خسر السيطرة على الجغرافيا السياسية الممتدة من لبنان إلى سورية، وتخلى عن دعم الحوثيين في اليمن عقب الهجوم الأميركي على مواقعهم، وفقًا لتقارير عديدة، ولذلك فإنه يذهب للمفاوضات مع واشنطن، وهو لا يملك الأوراق التي تعزز موقفه.
تُشكل نتائج المفاوضات الأميركية - الإيرانية، خاتمة الأحداث في الشرق الأوسط منذ تصاعدها في 7 أكتوبر 2023، فإذا تم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، ستستعيد المنطقة هدوئها النسبي، مع الاحتفاظ بالتغييرات الجذرية التي أُجريت فيها، ولكن إن لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن المنطقة ستكون علىموعد مع تصعيد عسكري غير مسبوق، وهو السيناريو الذي بدأت كافة الأطراف المعنية الإعداد له، وستكون إيران في حينه بانتظار عقوبات أميركية أكثر صرامة، وسيبدأ غليانها الداخلي الذي لطالما أُجّل بفعل سياسات القمع والاحتواء بالقوة.
رغم الخصومة التي تبديها إيران لجيرانها العرب في سياساتها الإقليمية، إلا أن الهجوم العسكري عليها ستمتد آثاره لتطال منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل عام، حيث ستنشأ اضطرابات أمنية واقتصادية واسعة، ويظل هذا الاحتمال قائمًا رغم التفاؤل الذي رافق الجولة الأولى من المفاوضات الأميركية - الإيرانية.
مهدت إيران لمفاوضاتها مع الولايات المتحدة بشكل جيد، وخاطبت عقل الرئيس ترامب بطرحها عروض استثمارية للشركات الأميركية، وهو ما يعد مغريًا بالنسبة لرجل أعمال مثل ترامب الذي يُعرف بتركيزه على الصفقات الاقتصادية المربحة، خصوصًا أنه يحب تقديم نفسه كصانع صفقات تُحسن الاقتصاد الأميركي.
أخيرًا، تدرك إيران أنها لا تقوى على مواجهة الحماسة الأميركية - الإسرائيلية لاستهدافها، وأن عليها الانحناء للريح حتى لا يُقتلع نظامها السياسي من جذوره، وأن الدرس العراقي ماثل أمامها، حيث أُسقط نظام صدام حسين رغم تضخم قواته العسكرية وتسليحها الحديث، وهي تدرك أيضًا، أن الرجوع إلى الوراء في هذه المرحلة الحرجة، خير من التقدم، طالما أنه ستدوس لغمًا ينهي وجود نظامها السياسي.