يارا بادوسي تكتب : قهوة "بشهادة" تعادل سعر لتر البنزين!

نبض البلد -

يارا بادوسي

في زمن أصبحت فيه الأسعار تتغير بوتيرة أسرع من تقلبات الطقس، بات من الضروري أن يعيد الفرد النظر في ميزانيته، حتى في أبسط العادات اليومية.. مثل فنجان القهوة الصباحي.
اليوم، حين تلقي نظرة على قائمة الأسعار في أي مقهى، قد تشعر بأن الأسعار "طايرة"، فـكوب "لاتيه" بثلاثة دنانير، والـ"فلات وايت" بثلاثة ونصف، والـ"لاتيه كراميل مكياتو" بـ4 والسعر يزداد مع ازدياد صعوبة الاسم، وكأن الشخص يطلب ذهبًا مضافًا عليه قيمة المصنعية.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه سعر لتر البنزين أقل من دينار، تجد نفسك تدفع أضعافه مقابل كوب قهوة واحد.. فقط من أجل الحصول على "الجو".
هذه المفارقة تطرح تساؤلًا بسيطًا لكنه عميق، فهل ندفع الثمن الحقيقي للقهوة؟ أم أننا ندفع ثمن الإحساس؟
في الواقع، حين تطلب قهوتك من أحد المقاهي الأنيقة في عمان، فأنت لا تشتري مزيجًا من البن والحليب والسكر فقط بل تشتري مقعدًا مريحًا، وإضاءة هادئة، وموسيقى خلفية، وابتسامة محسوبة من النادل (الباريستا) وبعض الحركات التي يمارسها في عملية إعداد القهوة كحركات "رجل السيرك" لتلاحظ بعدها ارتفاع سعر القهوة بشكل مبالغ فيه.
أحد أصحاب المقاهي قال لي بكل صراحة أن "كوب القهوة بكلفنا أقل من نصف دينار بس الزبون بدو يجي يقعد، يشتغل، يلتقي، يصور، ويعيش اللحظة.. يعني هو بشتري تجربة، مش بس قهوة."
والكثير اليوم، وخاصة من جيل الشباب، لم يعد يشرب القهوة فقط لتساعده على التركيز بل لأنها أصبحت جزءًا من الهوية الشخصية، ونوع القهوة الذي يطلبه قد يعبر عنه كما يعتقد.
فهناك من يبدأ يومه بـ"موكا"، وآخر لا يفتح عينيه دون "أمريكانو على البارد مع الحليب".
لكن في الواقع أسعار هذه المشروبات قد لا تكون واقعية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار الحاجات الأساسية وتراجع القدرة الشرائية التي نعيشها.
ولا بأس أن نسأل أنفسنا إذا كنا نستمتع بهذا الكوب أم أننا اعتدنا على طلبه؟ أو أن البعض أصبح يبحث عن لحظات مريحة بأي شكل ولو بكوب قهوة باهظ الثمن، لكن ربما لو عدنا إلى الخلف قليلًا، وأعددنا قهوتنا في المنزل وشربناها عند النافذة، لاكتشفنا أن الطعم أجمل.. والسعر أرحم.
وفي العودة إلى المقارنة بين كوب القهوة ولتر البنزين، نجد أن لتر البنزين قد يوصلك من منزلك إلى العمل، وربما ينجز لك بعض "المشاوير" على الطريق. أما كوب القهوة بثلاثة دنانير فتشربه في عشر دقائق وينتهي، الأول يحركك، والثاني يهدئك، والأول ضرورة والثاني (مزاج).
لكن القهوة أصبحت تعادل البنزين ليس في السعر بل في الحاجة، فعندما تزداد الضغوط وتتداخل مع غموض المستقبل الاقتصادي المعيشي يبحث المواطن عن أي تفصيلة صغيرة تمنحه الشعور بأنه ما زال يملك زمام قراره حتى لو كان هذا القرار هو اختيار مستوى الترف في كوب قهوة باهظ الثمن.