د.حازم قشوع

الأردن و ما يتم التوافق عليه !

نبض البلد -
د. حازم قشوع
 
بعد مناورة امريكية بالذخيرة الدبلوماسية تناولت الضرب بالرسوم وفرض القيود بالضرائب وتهديدات طالت الانسحاب من الهيئات الأممية، اضافة الى حملات وعيد باستخدام الذخيرة الحية على مساحات الاشتباك في أوكرانيا والشرق الأوسط حيث دول المحور، وهى التى جاءت ضمن مناخات من الشد السياسي وموجات من الغليان الشعبي اجتاحت المدن الامريكيه والعواصم الأوروبية، كما تضمنت هذه المناورة اعلان البيت الابيض عن نيته الاستحواذ على جرينلاند وكندا وخليج بنما وقطاع غزة، تأتي من بعد ذلك فترة من الهدوء النسبي بعدما اعلن البيت الابيض عن تجميد كل هذه الاجراءات لمده 90 يوم، والبدء بمفاوضات مع العالم أجمع باستثناء الصين ضمن مفاوضات سياسية بإطار اقتصادي، كان قد أعلن عنها الرئيس ترامب ضمن عنوان التفوق الجيواقتصادي الذى يريد عبره الرئيس الأمريكي من إعادة تموضع الولايات المتحدة وصناعتها لتكون عند مستويات عليا.
 
وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة تنتج ¼ الناتج الإجمالي العالمي، الا ان امريكا تريد الاستحواذ على المزيد من الصناعات الإنتاجية مع تقارب النسب الاقتصادية بينها وبين الصين، مع انها فى الجانب المالي المتمم للجانب الاقتصادي مسيطره من دون أصول نقدية عبر عملة "الدولار" على الحركه العالميه للتجاره الدوليه، الا انها راحت لتدخل العالم بفوضى اقتصادية أثرت على أسواق الأسهم للشركات الكبرى بهدف تغيير حواضن الاستثمار والخواصر الصناعية، وذلك عبر فرض قيود أمام الشركات الخارجية التي تعمل خارج رحم الجغرافيا الأمريكية، الأمر الذي شكل تهديدا مباشرا للدول الحاضنة لهذه الشركات لأنها ستخفض معدلات نموها فى حال بقيت هذه الشركات فى موطنها الأصلي ولم تذعن للقرار الأمريكي بترحيل صناعتها طواعية للداخل الأمريكي.
 
وهي المحصلة التي ستقود لإعادة توطين منهجي للعلامات الفارقة الصناعية في الداخل الأمريكي لتبقى بقية الدول تدور فى إطار المجتمعات المستهلكة الفاقده للأهلية الصناعية، وهذا ما اعتبره الجميع خطوة تستهدف للاستحواذ على المقدرات والمنشاءات والعقول الصناعية بما يجعل من أمريكا المكان الأوحد للانتاج والتصنيع، وهي الغاية التي يريد من ورائها الرئيس ترامب من رفع علامة النصر، فإن لم يكن بمقدور الولايات المتحدة من استعمار دول العالم سياسيا / عسكريا فإن الولايات المتحدة قادرة على رفع علامة الانتصار على الصناعات العالمية من الناحية الجيو اقتصادية.
 
وخلال فترة ال90 يوم التي أعلنت عنها الادارة الأمريكية للتفاوض حول المضامين الاقتصادية / السياسية، ستدخل دول العالم أجمع لطاولة المفاوضات لتتنازل عن الأمور الاقتصادية في الظاهر لكن فى باطنها تحمل ملفات سياسيه وامنيه، وهذا ما سيجعل من الولايات المتحدة تكون بوصلة التوجه لكل دول العالم، حيث سيكون الجميع مطالب برفع القيود المفروضة على مجتمعاتها، كما ستدخل الولايات المتحدة في محطة تفاوضية سياسية مع ايران بعد ما أنهى المبعوث الأمريكي ويتكوف الملفات الرئيسة مع الرئيس بوتين، حيث ستحمل هذه المفاوضات الامريكية الايرانية خمس ملفات رئيسية تطال جيوبها فى لبنان واليمن والعراق وقطاع غزة، كما أمنية تجاه المفاعل النووي الايراني بعد انتهاء المفاوضات الأمنية التى احتضنتها مسقط العمانية على مدار الأسابيع الماضية وفرنسا فى الاونه الاخيره، لكن هذا مرهون بتدمير المفاعل النووي الايراني الذى قد يحدث ضمن "جملة عسكرية"  لكن متوافق عليها ايرانيا وأمريكا.
 
ويعتقد مراقبون أن وصول توافق ايراني امريكي من شأنه أن يفتح الباب أمام المفاوضات الصينية الأمريكية لكون إيران محطه رئيسيه لطريق الحرير الصيني، كما لها مكانه جيوسياسية إقليمية تريد امريكا ايران معها وليس عليها فى ظل وجود "عراقجي" الذي يعتبر  وزير خارجية قريب أليها، وهذا ما يؤهله لإبرام صفقة ليست بينية فحسب بل اقليميه ودوليه هذا إضافة للملمة قضايا الشرق الأوسط عبر محددات متوافق عليها يتم صياغة نماذجها في مؤتمر أنطاليا في إطار المنظومة العربيه الاسلاميه، ليكون بالتوازي مع انطلاق المفاوضات الأمريكية الايرانية مع استعداد فرنسا مع المنظومة العربية في جملة متممة بالبدء بعمل دبلوماسي مكثف بقيادة الأردن ومصر والسعودية، من اجل ايجاد اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية وتصبح فيها فلسطين عضوا عاملا في الأمم المتحدة ويتوقع مراقبون أن تكون فرنسا أول دولة من دول المركز تعترف بالدولة الفلسطينية !
 
واما فى صعيد الملفات الاخرى التى يقف على اولوياتها قطاع غزة حيث المضامين الانسانية والسياسية، فانه يتوقع ان يعلن عن وقف الحرب عن قطاع غزة وليس وقف إطلاق النار كما يتم التحضير لتنفيذ وجبة من الترحيل وليس التهجير من قطاع غزة تقدر بحوالي 700 ألف نسمة سيتم ايوائهم في دول مختارة لهذه الغاية، كما يتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بفرض السيطرة الأمنية على قطاع غزة بدون مشاركة اسرائيليه ويتم تنفيذ برامج إنسانية ومن ثمة برنامج شامل لإعمار قطاع غزة وتقوم السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها بإدارة شؤون القطاع، وهذا ما يعني أن هناك أرضية التوافقات متوافق عليها للحوار قبل إعلان النتائج !.
 
ومن الناحية السورية فلقد فرض الوزير هاكان مكانته عندما تقدم خطوة للإمام عن الرئيس أردوغان والمؤسسة العسكرية وراح يحقق نتائج تفاوضية أصبحت مرجعية إقليمية من خلال مفاوضاته مع الجانب الأمريكي الإسرائيلي، عندما نجح فى بناء نظام ضوابط وموازين جديدة (تركيه - اسرائيليه) جعلته يتقدم على جناح المعارضة بزعامة اوغلو عندما توافق على فضاءات الجغرافيا السياسية السورية لتبقى دون قواعد عسكرية تركية، وتحوى على مجالات أمنية أمريكية مع بقاء حالة النفوذ التركي في الداخل السوري تحوى الكعب الأعلى، وهذا ما سينعكس بالإيجاب على الأمان لسورية لتبقى موحدة.
 
وفى الاتجاه اللبناني فان اعادة تموضع القوة العسكرية لحزب الله في داخل الجيش اللبناني ستكون أقرب للحل مع ضمانات فرنسيه تحفظ المجال الحيوي الاسرائيلي وتؤدي لخروج القوات الإسرائيلية من المدن الجنوبية السبعه، هذا إضافة لتدعيم الجيش اللبناني بمستشارين فرنسيين وأوروبيين لضمان تعزيز حواضن الجيش اللبناني، وتدعيم قوة الرئيس جوزيف عون الرئاسية بما يتيح المجال أمام عودة تيار المستقبل في داخل المربع الحكومي، وهو الإطار العام الذي يجري بلورته ضمن خطة تنفيذية مرحلية يتم اعتمادها إقليما بضمانات دولية.
 
وفى هذه الأثناء مازالت اسرائيل تخضع لسياسات صارمة عسكريه وامنيه لدرجة السيطرة الشمولية لبيت قرارها العسكري من قبل قيادة سنتكوم الامريكيه، وهى تدخل ضمن متغيرات تقودها رياح التغير العاصفة والتي أخذت تجتاح المجتمع الاسرائيلي وتبرز دور الوزير غانتس على حساب الرئيس نتنياهو فى المرحلة القادمة، التى لا تحتاج كما يتوقع مراقبون مناخات تأجيج بل هي بحاجة لفترة هدوء نسبي بعد حالة الشد التي وصلت ذروتها بالمشهد العام، وهذا ما يشير الى اقتراب انتهاء فتره بكل ما حملته من إرهاصات ودخول المنطقة في مشهد آخر.
 
واما من الناحية اليمنية فان الامور تتجه لتدخل عسكري قد يحمل صفة برية / جوية تعيد ترتيب الأمور اليمنية ولا تبقيها منقسمة ديموغرافيا وجغرافيا، وذلك ضمن عملية عسكرية محدودة يتم التوافق عليها لضمان عودة الهدوء النسبي في الباب الحيوي التجاري على مضيق باب المندب، وهذا من شأنه أن يحفظ أمن واستقرار الخاصرة الجنوبية للسعودية، وذلك مع الزيارة المنتظرة للرئيس ترامب للمنطقة الخليجية والتى بدأ التحضير لها بزيارة تستمر لمدة أسبوعين لوزير الطاقة الأمريكية للتوافق حول الملفات الاقتصادية بعدما تم التوافق حول مسائل القواعد العسكرية التي يتم إعادة ترسيمها في كل من السعودية والإمارات وقطر، وهو مسار الرحلة الأولى للطائره الرئاسيه فى فترة ترامب الثانيه.
 
والأردن الذي يعتبر إقليميا صمام أمان حيوي للمنطقه ومصدر ثقه امنية سياسية لبلدانها ومجتمعاتها، فإنه يدخل شريك فاعل في كل هذه الملفات لتأمين سلامة اراضيه كونها تدخل بفضاءات اهتمامه الاستراتيجية وأمان مجتمعاته الحيوية بما تقيه من تبعات ارتجاجاتها  السياسية والأمنية والإنسانية التي ما فتئ يتعرض لها منذ اندلاع رياح التغيير المعنونة بمناخات الربيع العربي وما تبعها من احداث جسام، وهذا ما يجعله يقظ ويشارك بكل الملفات بطريقة محورية على الصعيد الأمني والسياسي كما على مستوى علاقاتة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، بعدما اتخذت الإدارة الأمريكية قرار "غير دقيق" كما يصف ذلك متابعين لفرض رسوم جمركية على الصادرات الاردنية للولايات المتحدة وما سبقها من قرار مجحف بحق تجميد المساعدات الأمريكية، بدلا من أن تقوم الولايات المتحدة بدعم الاردن وإسناده ماليا بطريقة مباشرة تخفف عنه  أعباء التضخم التي يتكبدها المجتمع الاردني  نتيجة ارتباطه العضوي مع الولايات المتحدة وشراكته الاستراتيجية مع أمريكا.
 
وذلك بعدما دخلت امريكا ببرنامج يقوم على خفض سعر الدولار، وهذا ما سيكون له أعباء على القيمة الشرائية للدينار دون القيمة الصرفية مع دخول مجتمعات الدولار بفضاءات غلاء الأسعار المتوقعة، وهو الموضوع الهام اضافة الى موضوعات اخرى تنموية تهم العلاقات البينية للولايات المتحدة مع الأردن التي قادت دولة رئيس الوزراء بتلبية دعوة لزيارة الولايات المتحدة لبحث هذه الموضوعات الهامة، وان كانت زيارة الرئيس جعفر حسان تحوي بشائر خير بعدما أعلن البنك الدولي الإفراج عن القرض الاردني  قبل عدة أيام والذى يقدر 1.1  مليار بصورة تاكد على مكانة الاردن وأهميته الاستراتيجية، فالعالم كما المؤسسات الدولية قالت كلمه بجملة فاعله عنوانها يقول " لن نترك الأردن من دون دعم وإسناد لمكانته الحيوية ومكانة قيادته الهاشمية ".
 
ان الملك عبدالله وهو يهيئ الأرضية لاستقبال ما تحمله المتغيرات القادمة من أحداث سياسية وانسانية، فانه سيبقى يؤكد عبر جملة مبدئيه لا تقبل التأويل بأن القضية المركزية للهاشميين والوطنية للاردنيين هي "فلسطين القدس والقضية"، وان انصافها هو واجب وطني وقومي ونصرتها واجبه يحملها الجيش العربي في عقيدته، وأن هذه المرحلة بحاجة الى تراص الصفوف فلا يدخلها إلا الهواء النقي حتى يبقى الجسم الاردني متسق القوام مع العنوان ضمن جملة بيان تؤكد ان الاردن سيكون فى كل الظروف مع فلسطين حتى التحرر ونيل الاستقلال