نذير عبيدات حين يجتمع الفكر بالقرار والهوية بالمكان

نبض البلد -
نذير عبيدات حين يجتمع الفكر بالقرار والهوية بالمكان
بقلم: حمزة الجبالي
في زمن تتباين فيه الرؤى وتكثر فيه الشعارات، قلّما يبرز قائدٌ أكاديمي يمسك بخيوط التحوّل بثبات، ويعيد للمؤسسة التي يقودها هُويتها ووجهتها معًا.
الأستاذ الدكتور نذير عبيدات، رئيس الجامعة الأردنية، هو أحد أولئك القلائل الذين يجمعون بين وعي الأكاديمي وحنكة القائد الإداري، الذي يمتلك مشروعًا نبيلاً.
منذ تولّيه رئاسة الجامعة، لم يكن عبيدات مجرد مدير لمؤسسة، بل كان صاحب رؤية ومشروع، أدرك أن عراقة الجامعة الأردنية لا تكفي ما لم تُترجم إلى حضور عالميّ فعال، ومكانةٍ علمية تنافسية، وبيئةٍ جامعية تُعيد الاعتبار للطالب والأستاذ على السواء.
وقد كان له ما أراد، حين نجح في تحقيق قفزة نوعية في تصنيفات الجامعة عالميًا، إذ ارتقت الجامعة الأردنية إلى المرتبة 368 على مستوى العالم، وفق تصنيف QS لعام 2025، ودخلت تصنيف شنغهاي العالمي للمرة الأولى. وهو إنجاز يُسجل في تاريخه وتاريخ الجامعة، ويؤكد أن التقدّم لا يصنعه سوى العمل المتراكم، والقرار الشجاع، والإرادة المستنيرة.
ولعلّ ما يستوقف المتابع في تجربة الدكتور عبيدات ليس فقط هذا الصعود الرقمي المرموق، بل نمط القيادة الإنسانية التي تبناها. فقد أعاد الاعتبار للعلاقة بين الطالب والإدارة، واعتمد نهج الباب المفتوح، لا كإجراء بروتوكولي، بل كقناعة بأن الجامعة فضاءٌ حرٌّ للتفكير، والمساءلة، والتعبير، لا مجرد منصّة تلقين أو هيكل جامد. أما على صعيد البحث العلمي والشراكات الدولية، فقد دفع الرئيس نحو تعزيز ثقافة النشر الرصين والمتميز، وربط الجامعة بمراكز بحث عالمية، واستثمر في النخبة من الباحثين، إيمانًا بأن الجامعات لا تُقاس بعدد مبانيها، بل بعدد أفكارها وتأثيرها في محيطها العلمي والوطني.
لقد استطاع الدكتور نذير عبيدات أن يُعيد للجامعة الأردنية خطابها الجاد، ومكانتها كمؤسسة حاضنة للعقل الحر، ومنبرًا لصناعة الوعي الوطني. وهو في ذلك لا يكتفي بالتسيير الإداري، بل يصوغ نموذجًا يُحتذى في الحوكمة الجامعية الرشيدة، حيث تتوازن الأكاديمية مع الكفاءة، وتتقاطع النزاهة مع الرؤية المستقبلية.
وفي الوقت الذي تعاني فيه مؤسسات كثيرة من الانغلاق، تبرهن الجامعة الأردنية، في عهد الدكتور عبيدات، أن التحول ليس شعارًا، بل فعلٌ يُصاغ بقرارات مدروسة، وإيمان عميق بدور الجامعة في بناء الإنسان والمجتمع.
إن تجربة نذير عبيدات في رئاسة الجامعة الأردنية هي تذكيرٌ ثمين بأن القيادة الأكاديمية، حين تُمسك بناصية الوعي والبصيرة، تُصبح رافعة وطن، لا مجرد إدارة مرفق.