العدالة والظلم...

نبض البلد - إبراهيم أبو حويله ...


تقف البشرية اليوم عاجزة عن تحديد مفهوم العدل بين الدول المتنازعة، فضلا عن تحقيق العدل بين أفرادها، وتعطي الدولة المتغلبة الحق في الوجود على حساب المغلوبين، بل تذهب بعيدا في النظر في مفهوم العدوان بين الدول، وتقف المحاكم الدولية عاجزة، لأن القوة هي من يتحكم بحياة البشر وليس العدل، وسيبقى هذا الظلم في الأرض إلى نصل إلى ذلك الإنسان، الذي يرفض التغلب والعدوان والإعتداء والإحتلال أو الإحلال او الإستعمار ويسعى للعدل.

مؤسسات وهيئات ولقاءات ومجلس أمن وأمم متحدة ومحكمة دولية، وما زال البشر يعيشون وفق نفس المبادىء التي تسمح للقوي بالهيمنة على الضعيف، وسلبه حقوقه وأرضه وثرواته، سمعت مرة أن هناك فلسفة قديمة تنص على أن سكان الاراضي التي تنعم بالخيرات والمياه والخصب والثروة هم على الأغلب أهل شر، وأن سكان الأراضي الصعبة والقاسية هم على الإغلب من أهل الخير، وذلك بسبب أن القوي المتغلب يسيطر على الارض الجيدة ويأخذها لنفسه، ويحرم منها الأضعف او الذي يحرص على تجنب الصراع او المواجهة، وحتى في الميراث يحدث ذلك أحيانا، فتجد القوي المتغلب او الأكثر قسوة هو من يفرض على الأخرين، ويأخذ ما يريد رغبة ورهبة، ونادرا ما تجد أهل الخير يصطفون معا لوضع حدّ لتغول هذه الفئات من البشر.

ولذلك كانت العدالة بين البشر منقوصة منذ خلق الله الأرض، لأنه أوكل للبشر مهمة تطبيق مفاهيم العدل والقيام به، ولم يُنزل معهم سلطة قضائية او تنفيذية من مخلوقات لا تخضع للرغبة والطمع والشهوة، سواء كانوا ملائكة أو أجناس أخرى من المخلوقات، وهو القادر على ذلك طبعا كما خلقنا او مرة، والله أراد من البشرأن يرتقوا بالمنهج والفكرة والعدالة بينهم، وليس بالشريعة والدين لأنه يعلم تماما بأن البشر ليس لديهم القدرة للوصول إلى منهج الحق ولا الدين الحق، ولكن هل يستطيعو ان يحققوا العدالة بينهم، فنحن نطالب بالقسوة مع الأخر لأنه الأخر، والرحمة مع من يخصنا لأنه يخصنا، فنريد منحه الفرصة والرحمة، ولكن هذا مفهوم رحمة خاص وليس عام.

ولكن هل يكون العدل خاص أم عام، ونحن نعلق حتى بين الدول في القضايا الدولية، وهذا الكلام لمختصين في قضايا المحاكم الدولية وتحقيق العدل بين الدول، فهل يمكن أن نحقق نحن البشر مفهوم الإستخلاف لله في الأرض ونطبق الموازين القسط بيننا، ولذلك يبقى مفهوم تطبيق القسط والعدل والميزان بشكله المجرد، الذي يحكم حياة البشر بما يحقق العدالة والمساواة بينهم، مطلب تحقق بصور قليلة جدا وفي فترات معدود جدا بين البشر، وباقي الأعم الأغلب من الأزمة هو الذي يحقق رغبة وطمع فئة متغلبة، أو المتسلطة على باقي البشر، وهنا نعلق نحن البشر في مفاهيم العدل والوصول إليه، بما يحقق مقاييس العدل المطلق بيننا نحن البشر.

فالعدل الذي تريده الفئة المتغلبة غير العدل الذي تريده الفئة المغلوبة، وهو قطعا غير حقيقة العدل المطلق، الذي يتحقق إن كان هناك جهات أعلى، تملك السلطة والقضاء والإحاطة وقادرة على إعطاء كل ذي حق حقه، لكن لماذا كل هذا الصداع في محاولة الوصول إلى تلك الصورة من العدالة المطلقة، إذا كنّا لا نستطيع تحقيقها حتى لو أحطنا بالمعلومات اللازمة للوصول إليها، ولا نمك السبل لتحقيقها اصلا.

وهل ما نطالب به نحن البشر يقع دائما في دائرة ما نرغب به، وليس في دائرة العدل والحق والشفافية والمساواة بين البشر، وهذا ما حدث تماما عندما سعت الدول الإستعمارية أو المتغلبة أو القوية، لإنشاء مؤسسات دولية ومحاكم دولية وأمم متحدة، ولكنها منحت نفسها الفيتو بناء على مفهوم واحد فقط هو القوة، وليس بناء على مساحة جغرافية أو عدد سكان أو تاريخ هذه الدولة أو تلك، وهكذا نجد دول مثل أندونسيا او الهند وغيرهما، ليس لديها حق النقض الفيتو في المقابل تجد فرنسا وبريطانيا بين قوسين لديها.

الفقاعة التي تعيشها الدول المستعمرة بكسر الميم، وتسعى بكل قوة لفرض تلك الحلول التي تحفظ لشعوبهم رغد الحياة وترفها، على حساب الشعوب المطحونة في هذه الأرض لن تستمر فهي قائمة على الظلم، وعندما تتغير موازين القوة ستتغير المعادلة، ولكن هل الرضى الذي تمارسه الشعوب المستعمرة بكسر الميم الثانية لإنحراف في فكرها أو عقيدتها، هو من الأسباب الرئيسية لحدوث الظلم من هذه الدول قيادة وشعوبا، للدول المغلوبة او المستعمرة بفتح الميم الثانية، وهذا الرضى بما تقوم به بلدانها من قتل وتشريد وإغتصاب للبلاد وأهلها، هو في سبيل تحقيق الرفاه لهذه الفئة الظالمة من البشر، أو أهل الشر القادرين على أخذ حقوق وثروات الأخرين بالقوة، واخراجهم من أرضهم لأخذها إغتصابا وعنوة وهذا ما حدث ويحدث ولم يتوقف، ولو رفضت الشعوب الظلم هل كان سيحدث ما يحدث.

وهكذا هل تصبح الدول المستعمرة بكسر الميم بكل من فيها، شركاء في الجرم والسرقة والقهر والقتل الذي تمارسه دولهم على الأخرين، سواء كانت هذه الدولة روسيا او امريكا او الكيان او غيرها، حسب رايي نعم كلهم شركاء في الجريمة، إلا من أعلن رفضه رأيا ومشاركة وإكتسابا في هذه السرقات، وهنا نرى كيف أن الرفض الشعبي الأمريكي لحرب فيتنام ساهم بإنهائها، رغم أنف السياسة الأمريكية وثعلبها القذر كيسنجر، ولكن ما رفضه الشعب هناك قبله في فلسطين مع التشابه في الحال والإختلاف في المأل.

وكل ظالم سيدفع ثمن موقفه ومساهمته بهذا الظلم سواء كان دولة أو أفرادا، وهذا ما يحقق مفهوم العدالة المطلقة بين المخلوقات على هذه الأرض، وإلا لكان كل هذا عبثا لا طائل منه، وحاشا لله أن يكون كل هذا عبثا، فكل صاحب رأي وكل صاحب عقل وكل مكلف سواء أراد أم لم يرد محاسب على موقفه ورأيه وفعله وإنفعاله، وعلى دفعه هذه الفئة لتحقيق العدل، وعلى صمته على الظلم لأنه مستفيد منه.