فشل الإضراب ومستوى جديد من المناعة

نبض البلد -
حاتم النعيمات

لا يمكن بأي حالٍ فصل الدعوات التي اجتاحت الأردن لتنفيذ إضراب شامل أو عصيان مدني عن سياق علاقة حركة حماس ببعض التيارات السياسية، وأقصد أن اعتبار تلك الدعوات مجرد ردة فعل عفوية هو عدم دراية بالخارطة السياسية الأردنية وبما يحدث في المنطقة ككل. الدعوات كانت مبرمجة ولها أهداف محلية وإقليمية.

العفوي الوحيد في المشهد كان ردة فعل الأردنيين ضد هذه الدعوات، حيث تم فعليًا صد هذه المحاولات دون تنظيم أو برمجة، وكانت التحركات عبارة عن مجموع من ردّات فعل فردية، ولكنها كانت كثيرة وصادقة.

الإضراب ذاته لا يشكّل أي خطر على الدولة الأردنية، فهذه الدولة عبَرت مما هو أصعب وأعمق، المشكلة تكمن في وجود استجابة لتنظيم أو جهة خارجية؛ لذلك كان فشل الإضراب اليوم مهمًا لقياس هذه الاستجابة، ولتحديد ماذا اكتسب هذا المجتمع من خبرة بعد كل هذه التقلبات منذ 2011 وصولًا إلى العدوان الجاري على الأشقاء في فلسطين عامة.

على صعيد الوعي الشعبي، فقد تم إدارة الكثير من الحوارات سواء في الواقع أو على صفحات التواصل الاجتماعي، وكانت هناك أسئلة مهمة تُطرح بشكل جريء لم نعهده على المجتمع الأردني الذي كان يفضّل تقديم مصالح الآخرين على مصالح الأردن كانعكاس للشخصية الأردنية التي تؤمن بإنكار الذات أمام الآخر كنوع من التضامن. لقد حصلنا على مستوىً جيد من المناعة ضد أي هجوم مستقبلي من هذا النوع.

الملاحظ أيضًا هو أن الأردنيين أكّدوا على أن مصلحة بلادهم أهم من كل شيء، وأثبتوا أيضًا أن النظر لما يحدث في أي مكان يجب أن يتم من خلال زاوية ما يضرّ الأردن وما ينفعه. هذا معيار سياسي مهم للتفاعل مع الأحداث، أتمنى أن يتم تعزيزه في القادم.

المظهر المريح الآخر تمثّل في ارتفاع مستوى النقد الموضوعي للوضع في فلسطين بعيدًا عن الحالة العاطفية، وتجلى ذلك في وضع أسئلة عن فائدة تعنُّت حماس الأخير، وكيف تحوّل إلى ذريعة إسرائيلية لتهيئة الظرف لتنفيذ التهجير ووضع مصر بالذات والأردن في وضع صعب، وعن قيمة الدور الأردني على المستوى الإنساني والسياسي.. يعني أن المعيار العاطفي قد تراجع إلى حدٍّ ما لصالح الواقع.

لقد تصدّى غالبية الأردنيين إلى حدٍ جيد لجميع القوى التي تسعى لإضعاف الأردن، وأسسوا لحالة مناعة اجتماعية سياسية ستساعد في خوض تقلبات هذه المنطقة. هذه المناعة يجب أن تكون وازعًا لدى الحكومات لتقوية شوكة الخطاب الوطني وتحويله إلى خطاب مؤسسي يُولّد السرديات ولا يتلقّاها من الآخرين. الحكومات يجب أن تراعي - بتصوري - أن الخارطة السياسية الحالية مهترئة ولن تكون مفيدة في مراحل قادمة، وأن الحل ببساطة هو تجريم الارتباط بالخارج، وعدم اعتبار كل ما يُطرح رأيًا سياسيًا لمجرد أنه شفوي. لدينا اليوم مناعة شعبية أردنية مفرِحة تشكل أساسًا صلبًا مقابل تحديات متوقعة قد تحتاج إلى يقظة عالية.