العصيان المدني.. دُعاته، نواياهم، ما يحتاجون إليه

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

 

يمكن تصنيف الجهات المشاركة في الدعوة للعصيان المدني في الأردن والداعية له إلى ثلاث فئات رئيسية: فئة خارجية، وتعتبر مركز التحكم والتوجيه السياسي، وتنظر إلى الدول كميادين عمل وساحات قابلة للاستغلال لتحقيق أهدافها، وهي تتكون من دول وتنظيمات مأزومة. أما الفئة الثانية، فهي تضم قوى حزبية وسياسية وشخصيات محلية، معروفة بولائها السياسي العابر للحدود الوطنية، وتحمل نظرة دونية للأردن، وتُستخدم كأدوات من قبل الفئة الأولى. أما الفئة الثالثة، فتشمل أفرادًا أبرياء، يتم التغرير بهم، واستثارة عواطفهم وترجمتها إلى فعل يمكن دمجه ضمن حراك سياسي، يبدو ظاهريًا داعمًا للقضية الفلسطينية، ولكنه في حقيقته، منزوع الصفة الوطنية؛ وهذا ليس اتهامًا، بل توصيف للحقائق؛ فالتعدي اللفظي على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، يعتبر كفرًا بالثوابت الوطنية، ومساسًا بأهم ركائز الاستقرار الداخلي، في مرحلة إقليمية، هي الأشد خطورة، ولا يمكن الاستعداد لمواجهة استحقاقاتها واستيعاب نتائجها إلا بالحفاظ على ما هو قائم.

 

تحاول بعض القوى الحزبية والسياسية، تضخيم إمكانات الأردن، وتضليل الجمهور باتساع رقعة مساحات المناورة، لتبرير استهدافها السياسي له، لتلزمه تحت وطأة الغضب الشعبي بشأن ما يجري في غزة، والذي تقوم بتوظيفه، للقبول بخيارات تتعارض ومصالحه الوطنية، تحت عناوين مغرية، ولكنها مدفوعة بأجندات خارجية ومصالح حزبية ضيقة، وهذا تهور إن استمر، سيضع الجميع، أمام أزمات معقدة، وبالتالي، حانت لحظة إيقاف التآمر أو العبث السياسي بسلطة القانون.

 

من جانب آخر، حتى وإن كانت الدعوات للعصيان المدني في الأردن بريئة، ومجرد ردة فعل شعبية طبيعية على العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، فإنه يبقى فرصةً للتأزيم والإرباك السياسي والاقتصادي، لا أكثر، خصوصًا أن المواقف الأردنية لدعم الغزيين، بلغت ذروتها، من الناحيتين، السياسية والإنسانية، وهذا هو الطبيعي والمتوقع من المملكة التي تقع القضية الفلسطينية في صميم سياستها الخارجية، ومصالحها العليا.

 

يمكن إعطاء دُعاة العصيان المدني، درسًا في التاريخ لإثبات أسبقية الأردن في الوقوف مع القضية الفلسطينية، وتفاعله المبكر والمستمر، وبما يفوق إمكاناته، لدعمها في كل تحدٍ تتعرض له. أيضًا، يمكن إعطاؤهم درسًا في الجغرافيا السياسية لاستيعاب محدودية الخيارات أمام الأردن في التعامل مع التحديات المختلفة التي يواجهها، وأنه لا يملك ترف المقامرة بمصالحه العليا تماشيًا مع الهيجان المحلي الذي يتم اصطناعه، لتمرير مخططات مشبوهة.

 

الخبر المؤسف، أنه لا يمكن إعطاء بعضهم دروسًا في الوطنية، فهم يكفرون بها، ويحتقرونها، ويعتبرونها شكلًا من أشكال العنصرية

 

ختامًا، إن أي محاولة للإضرار بالمصالح الوطنية الأردنية تحت أي عنوان، ستُضعف القضية الفلسطينية بالضرورة، وهذا ما يجب أن يدركه "العقلاء" الذين ينساقون خلف عواطفهم مع كل الدعوات التي تُوجه إليهم من الداخل أو الخارج، والتي تخلو من أي حس وطني.