أهل غزة بين الصبر والإصطفاء

نبض البلد -

ما يقع على أهل غزة اليوم هو الطريق السريع إلى الجنة، بلا حساب ولا عذاب ولا نقاش ونحن نعلم أن من نوقش عذب، وهل ما حدث مع اصحاب البروج هو نصر أو هزيمة في مقاييس البشر، وهل يقف الله جلّ في علاه وهو القادر على إيقاف هذا الظلم موقف المراقب، إلا إذا كان الهدف هو هذه الأحداث بحد ذاتها، وهي التي تضع الجميع في الميزان، وتفصل بين الحق والباطل، وبين من ينصر الحق ويقف معه، وبين من يقف مع الباطل لضلالة فيه او ظلم في طبعه أو زيغا وهوىً، وهل هكذا أصبح الحال بالنسبة لأولئك الذين هم في الإبتلاء حقيقة، هم من يستطيع الفوز بذات الشوكة رغم الصعوبة والأذى، وأصبح الذين هم خارج دائرة الإبتلاء في الإبتلاء الحقيقي، من حيث الموقف والنصرة والفهم والوقوف مع الحق وأهله، أو الزيغ والضلال والإنكشاف والإنفضاح ونصرة الباطل والوقوف معه، ويا حسرة على من تدخله نيته النار، اللهم إعصمنا من الضلال والزيغ، والسقوط في الفتنة، والفشل عند التمحيص، وعدم الوقوف مع الذين يجاهدون بدمائهم وإعراضهم والصابرين على ما أصابهم، ونعوذ بك من أن تكون نياتنا سببا في هلاكنا.

سأحزن عندما أموت أنا لتحيا أنت مهما كان السبب، هل تقف الحقيقة عاجزة عن إدراك الكثير من الأمور الكبيرة، لماذا حتى على المجتمعات المادية أن تقدر وتعظم قيمة التضحيات الفردية، والجماعية التي تصنع مجدها وتذهب بحياة هؤلاء الأفراد في سبيل الأخر، ولماذا تَصنع النصب وتجزل العطاء لمن خلفهم، وإذا كان المفهوم المادي في الحياة قائم على أن الحياة هي كل شيء، لماذا إذا يجب أن تضحي فئة بكل شيء لتحيا فئة أخرى حياة رغيدة، ولماذا إذا كان كل المجتمع أناني يقع هذا المجتمع تحت وطأة احتلال وتحكم المجتمعات القادرة والقوية، والمستعدة على التضحية والبذل من أجل مصلحتها، كما يحدث دائما عبر التاريخ، من روما إلى فارس إلى التتر إلى المغول وألمانيا وغيرهم، وكيف إستطاعت بريطانيا مثلا احتلال الهند والصين وامريكا والكثير من هذه الدول مجتمعة، وهي لا ترقى جغرافيا ولا عدد سكان للقيام بذلك، وخذ ما فعله الإسكندر في العالم، وما فعلته الفتوحات الإسلامية التي إستطاعت السيطرة، ولقرون طويلة على مساحات جغرافية وإعداد بشرية ضخمة، وهنا لا ننكر دور الدين والمعتقدات والأخلاق والعادات والأفكار التي يتبناها المجتمع في ذلك.

وكيف تنجح العديد من الثقافات في دفع إعداد كبيرة من البشر للتضحية الفردية من أجل كرامة ورغد الحياة للفئة الباقية، إذا لم يكن هناك فكر عقائدي صحيح، وكيف تصبح التضحية بحد ذاتها مجد وبطولة، وتسطر تلك المجتمعات البطولات في مرويات خالدة وإشعار وقصص خرافية واساطير، وتجعلهم يصطفون في صور تكاد تكون مقدسة وخارقة للعادة والطبع وتقترب من المعجزات، هل بسبب دفع الفئة الباقية إلى المسارعة في التسجيل في سجل الخالدين، وإن تنعم الأسرة او القبيلة أو العشيرة التي ينتمي إليها هذا الفرد بالتقدير والإحترام والمنافع الكبيرة لاحقا، لأنه بدون هذه التضحيات تصبح هذه المجتمعات هدفا مستسغا ولقمة سهلة للقوى المحيطة بها، وهل يخفى على أحد دور الأنانية وحب الذات والفرادية والفردانية على المجتمعات وحتى المادية والشيوعية منها، ولذلك سعت هذه المجتمعات التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الأخر إلى خلق صور مشرقة، لأولئك الذين يضحون بحياتهم من أجل الجماعة، حتى لو كان هناك غبن واضح في هذه الصفقات او التصرفات، وتدفع الفئة الفقيرة والأقل حظا الغالي والنفيس من أجل مصحلة المجتمع، أو بالأحرى من أجل مصحلة الفئة المسيطرة أوالفكر المسيطر، وهذا ما شاهدناه ونشاهده يوميا، وليس أخره هذا الكيان الذي يعتاش على دماء الأبرياء ولكن.

هل هذه هي كل القصة، بالنسبة للمجتمعات التي لا تؤمن بالله واليوم الأخر نعم للأسف، وحتى بالنسبة لتلك الفئة التي تصطف مع الباطل أو الفئة الباغية او الظالمة نعم، ونحن نشاهد من يزعمون بأنهم مسلمون يصلون ويصومون، ويقاتلون في جيش الإحتلال تحت مسميات وأهداف مختلفة، فما هو الدافع الحقيقي لهذه الفئة للقيام بهذه الأفعال، ما هو الدافع الحقيقي هنا، وماذا يتوقع وفي حال إستطاعت هذه الفئة الباغية السيطرة على الوضع، وكيف سيكون وضعه هو في هذه المنظومة الظالمة، التي تسعى لمصالحها ومصالح جماعاتها وعصاباتها والقوى الإستعمارية خلفها، وما هي النتائج التي يستطيع أن يحققها، في ظل هذه الجماعات الوظيفية الإستعمارية الإحلالية التي تسيطر على هذه العقلية؟ كل هذه الإسئلة وغيرها تصطدم بالواقع بقوة، وإذا عدنا قليلا إلى الخلف ستجد أن هذه القوى الإستعمارية إستطاعت دائما توظيف العديد من هؤلاء في خدمة مصالحها وتحقيق أهدافها، وبعد أن انتهت منهم تركتهم لمصيرهم، وهذا حدث تقريبا في معظم الحروب التي خاضتها الدول ذات الصبغة الإستعمارية عبر التاريخ البشري، فهي إستطاعت أن تجد هذه الفئة، وتخرجها من تحت الظلم الإجتماعي تارة أو التهميش تارة أخرى أو بدافع الإنتقام في ظروف مختلفة، أو بسبب دوافع بشرية تمتاز بخسة الطبع والدناءة والبحث عن المنافع الشخصية أو المتع الفانية، وما قصة العلويين والأقليات إلا جزء من هذه القصة.

لكن المسلمون قصة أخرى، فنحن نؤمن بالأخرة والجزاء العادل، وقيام الميزان القسط وإحقاق العدل في الحياة الآخرة، ونؤمن بأن هذه الدار هي دار إمتحان وإبتلاء وتدافع وعلو وهبوط وإعداد وعمل وسعي، وفتن يصبح الحليم فيها حيران، ولكن البوصلة واحدة هي إرضاء الله والسعي في تحقيق مراده، ولذلك من ضحى بنفسه وماله وأهله في سبيل الله فقد فاز وفازوا، وهذه الدنيا التي أهبطنا الله إليها وجعل بعضنا لبعض عدو، هي في سبيل تحقيق الرفعة والخيرية بين البشر، وكما جعل الله بعضنا لبعض سخرة ومسخرا في الدنيا، ففي الأخرة درجات وعلو وارتفاع يصل إلى الفردوس الأعلى، وهي الدرجة والحياة الدائمة والفوز بها هو المغنم والمطمع والهدف، والأمل والسعي يجب أن يكون في ذلك، لا في هذه الدنيا الفانية التي قد يصيبك عارض منها وقد لا يصيبك، وقد تنالك الأقدار والأقذار والأحوال، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، ومن سلم من الأذى لم يسلم من المرض، ومن سلم من المرض لم يسلم من أعراض الدنيا المختلفة من نكد يناله، او مصائب تنزل على من حوله.

سنة الإبتلاء والتمحيص تقع موقعا كبيرا في حياة الأمم قبل الأفراد، وما قصة بدر إلا بحث عن القافلة، ولا قصة أحد إلا مشاركة في المغانم، فالله يعدّنا إحدى الطائفتين ونحن نريد غير ذات الشوكة، إذا العداوة مقدرة للتمحيص والإبتلاء، والتدافع بين البشر يهدف إلى دفعهم لإخراج حقيقتهم، ودفعهم لأقصى حدودهم، لأخراج كل شيء في هذه النفس البشرية من توحش وظلم وفسق وفجور وكفر وعناد وقتل لكل صور الحياة، قال سنقتل إبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم ظاهرون، وجاء الأمر الألهي بالصبر والإستعانة بالله، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، وهل إذا أهلك الله عدوا كما حدث لفرعون، اصبح الضحية فرعونا جديدا، هل ما حدث لهذه الفئة الضالة من بني إس رائ يل من قتل وحرق وأسر وتشريد وقهر إلا صورة من إبلغ صور الظلم بسبب الطائفة أو الديانة أو الهوية، ولتعود هي وتقوم به بنفس الصورة والطريقة، وعلى من يقع الوزر هنا على الجاني أم على الضحية، وهنا تصعق من أن مقاييس الدنيا الظالمة والظالمة، ومقاييس الأخرة الحق والعادلة، فلا تظلم نفس شيئا ولو كان حبة من خردل، فكلهم آتية يوم القيامة فردا، ويحاسب وفردا، وإما إلى جنة أو نار فردا وفردا.

الخلاصة هل هي أن نجاحنا في الدنيا هو في أن نكون فيها على منهج ، عندها لا ضير على أي جنب كانت النهاية، فكل من عليها فان، برضاه أو رغم أنفه.

إبراهيم أبو حويله