نبض البلد -
تثير المطالبة الدائمة والمتكررة بـ العفو العام أو الخاص العديد من الإشكاليات القانونية والأخلاقية التي يجب التوقف عندها بجدية من قبل أهل الاختصاص، ودعوني اسأل : هل العفو العام او الخاص حق مكتسب لكل من خالف القانون..!!؟ أم أنه إجراء استثنائي يجب أن يكون محدودا ومدروسا؟
اعلم أن من يطالبون بـ العفو العام يستندون الى اعتبارات إنسانية وعائلية، ويرون أن العفو يمنح فرصة جديدة لـ المحكومين لـ الاندماج في المجتمع من جديد، فضلا عن تخفيف الأعباء المالية عن أسرهم، لكن هذا المنطق العاطفي لا يمكن أن يكون وحده معيارا لـ اتخاذ قرارات تمس العدالة والأمن المجتمعي،، فـ القوانين لم تسن عبثا، والمحاكم لم تصدر أحكامها جزافا على المواطنين، بل جاءت بعد دراسة لـ القضايا والاستناد إلى الأدلة والحقائق.
وبـ اعتقادي الشخصي، أن إصدار العفو العام بشكل متكرر يضعف هيبة الدولة ويقلل من احترام القانون عند السواد الأعظم من المواطنين، فـ عندما يدرك المخالفون أن هناك عفوا عاما خلال فترة ما، فهذا سيقلل الرادع القانوني وستزداد معدلات الجريمة والانتهاكات أكثر والقاعدة تقول "من أمن العقاب أساء الأدب"، إذا فما الفائدة من محاكمة المجرمين اذا كانوا يعرفون أن عفوا عاما أو خاصا سيشملهم لاحقا...؟ علاوة على ان هذه الرسالة تشجع التمادي في خرق القوانين، وتضعف الثقة في منظومة العدالة.
والمتعارف عليه أن أي عفو عام او خاص يعني بكل بساطة إهدار حقوق الضحايا والمتأثرين، فـ الذين تعرضوا لـ جرائم السرقة أو الاعتداء أو الاحتيال أو تجارة المخدرات أو حتى جرائم أكبر، يجدون أنفسهم أمام واقع مقاده "أن الجناة خرجوا دون أن يستكملوا العقوبة العادلة"، والمعروف قانونيا أن العدالة ليست مجرد حبس الجاني أو المجرم بل هي حق لـ الضحايا في مشاهدة من أساء لهم ينال جزاءه بالقانون،، والعفو العام يضرب هذه العدالة في الصميم، ويجعل المجتمع يشعر بأن حقه مهدور.
أما بـ النسبة لـ النواب الذين يطالبون بـ العفو العام فيجب عليهم ان يدركوا ان دورهم لا يجب أن يقتصر على الاستجابة لـ المطالب الشعبية فـ حسب، بل عليهم النظر في العواقب بعيدة المدى لـ هذا القرار والتوجة، وأن يكون النقاش حول العفو جزءا من إصلاح قانوني أوسع، لا مجرد استجابة لـ عوامل ظرفية مثل الأزمات الاقتصادية أو الضغوط الاجتماعية.
وأقولها بكل جرأة،، ما لم يكن هناك إصلاح جذري في سياسة العقوبات وإدارة السجون، فـ إن العفو العام سيبقى إجراء قصير المدى لا يعالج أصل المشكلة، بل يؤجلها فقط إلى حين.
عموما،،
ما اود قوله ؛ لا يمكن أن يكون القانون والقضاء عرضة لـ المزايدات الشعبية، فـ دولة القانون تبنى على احترام الأحكام القضائية، وليس على تعطيلها بحجة العفو العام، والعدالة الحقيقية تتحقق عندما يحاسب المجرم على فعلته، لا عندما يعفى عنه بلا مبرر.
#خليل_النظامي