مآلات سلوك إسرائيل في المنطقة.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

تتحرك إسرائيل في جنوب سوريا بطريقة لا يمكن تبسيطها وتبريرها تحت شعار "تأمين الجغرافيا" فقط، ذلك الشعار الذي لم تتوقف إسرائيل عن الاختباء خلفه لتنفيذ أجنداتها التاريخية منذ السابع من أكتوبر. القصة على ما يبدو أبعد من مجرد فرض للأمن.

يتحدث سياسيون غربيون عن فرضية عقد معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل -وهناك حديث عن مثيل لها مع لبنان بالمناسبة- يتزامن ذلك مع تصريحات بين وقت وآخر على لسان مسؤولين في النظام السوري الجديد تبدي توددًا مبطنًا أو حتى مواقف ضعيفة أمام الإجراءات الإسرائيلية غير العادية والمتجسدة في احتلال أراضٍ سورية وتحركات عسكرية وصلت إلى تخوم دمشق.

ربما يقول البعض أن الشرع لديه ملفات أخرى في الشمال والشرق والغرب، بالتالي فهو ينظر لملف التدخل الإسرائيلي على أنه ليس أولوية، وهذا الكلام غير منطقي، فالتدخل الإسرائيلي خطير لأنه يحاول فرض النفوذ الجغرافي في الجنوب والغرب وفي العمق باتجاه العاصمة، ويتدخل بالإضافة إلى ذلك في الخارطة الديموغرافية باختلاق فكرة حماية الأقليات مثل الدروز (وربما لاحقًا يتم التذرّع بحماية الأكراد) تحت نفس الذريعة، ومن أوجه خطورة هذا التدخل هو أنه يهدف إلي تدمير البنية التحتية للدولة السورية لتحييدها على المدى الطويل. إذن، فالنظام الجديد في دمشق يبدو أنه لا يدير الأمور بشكل يتناغم مع المصلحة الأردنية والعربية.

فرض الواقع على الأرض بهذه الصلافة من قبل إسرائيل يعني أن هناك مخططات ضمن مسارين حسب اعتقادي: المسار الأول، ويتمثل في تثبيت "الإنجازات" العسكرية الإسرائيلية وكل ما تم فرضه بالقوة وهذا يتطلب دفع تكاليف باهظة على صعيد الإدامة العسكرية والعلاقات مع دول المنطقة والعالم. المسار الثاني، وهو مسار تعقيد الأمور قدر المستطاع للوصول إلى معاهدة سلام مع سوريا (وربما لبنان أيضًا) بأقل ثمن سياسي، وأقصد هنا أنها (أي إسرائيل) تطمح لخلق شركاء جدد للسلام ولكن شركاء في حالة ضعف.

هذه المسارات مرهونة بتوجهات الناخب الإسرائيلي وبتركيبة الأحزاب والحكومات القادمة، فاليمين المتطرف الذي يحكم الآن في إسرائيل استطاع أن يفرض واقعًا سياسيًا وأمنيًا جديدًا في المنطقة باستخدام القوة وبدعم أمريكي سخي، لكنه أمام أسئلة عميقة في مواجهة ما بعديات هذا "الإنجاز". أما توجهات الناخب الإسرائيلي فهي مرهونة بنتائج المراجعات العميقة التي تجري الآن من قبل معارضين وحقوقيين وأكاديميين مختصين داخل الكيان الإسرائيلي؛ مراجعة شاملة لكل ما حدث قد تغيّر السلوك الإسرائيلي بشكل كبير.


إذن، لا بد للدول العربية وعلى رأسها الأردن أن تتحرك بشكل أعمق من خلال: أولًا، عملية سحب الذرائع الأمنية من إسرائيل بفرض إدارة عاقلة مقبولة دوليًا في غزة لإنهاء حالة العبث الحالية، بالتزامن مع تقديم الدعم اللازم للحكومتين السورية واللبنانية تحت مظلة خماسية عمّان. ثانيًا، التحرك باتجاه تقوية السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أقصى حدٍ ممكن لمقاومة مشاريع التهجير من الضفة وغزة. باختصار، الأمور إما أنها تتجه لأن تعمد إسرائيل إلى إدامة ما حققته على أرض الواقع بالقوة، أو سعيها لفرض السلام على السوريين واللبنانيين ولكن بعد إضعاف هاتين الدولتين، وهذا وضعٌ خطير أيضًا.