التصعيد الإسرائيلي في غزة: سياسة الضغوط القصوى وخيارات حماس المتاحة

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

تتبنى إسرائيل في تصعيدها العسكري الأخير في قطاع غزة، سياسة الضغوط القصوى، حيث تسعى لإعادة هيكلة المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس، بعد خلق وقائع سياسة وعسكرية وإنسانية أكثر صعوبة مما مضى، ومن المؤسف أنه لم تعد هناك فرصة لتقليل الخسائر، بعد أن فشل الوسطاء في استئناف وقف إطلاق النار بسبب رفض إسرائيل كافة المقترحات في هذا الشأن، كما تتحدث بعض التقارير، وبالتالي، من غير المتوقع، أن تواصل حركة حماس الاحتفاظ بهدوئها العسكري منذ أن خرق الجانب الإسرائيلي اتفاق وقف إطلاق النار، والأرجح أنها ستستأنف عملياتها العسكرية من جديد، إلا في حال وجود مسارات تفاوضية جديدة.

في هذا السياق، لم تعد حركة حماس تمتلك الكثير من الخيارات، خصوصًا أن إسرائيل مهتمة باستثمار الأوضاع الميدانية والسياسية في قطاع غزة لتحقيق أهداف استراتيجية، أكثر من اهتمامها باستعادة الأسرى الذين أصبح ملفّهم مجرد خطوة تكتيكية يستخدمها نتنياهو لضرب ثلاثة عصافير في حجر واحد؛ وهي تعزيز شرعيته الداخلية، والحصول على الدعم الخارجي تحت غطاء استعادة الأسرى، إلى جانب التحكم في مسار المفاوضات التي تتم برعاية الوسطاء.

كان ملفتًا، أن إسرائيل في تصعيدها العسكري الأخير، تمكنت بوقت قياسي من استهداف قادة من المستوى السياسي في حركة حماس، وهذا يدل على عمق الخبرة الأمنية التي راكمتها طوال حربها المدمرة على قطاع غزة؛ فرغم التفوق الميداني للحركة بسبب شبكة الأنفاق التي تمتلكها، إلا أن إسرائيل حققت أهدافًا نوعية، تسهم من وجهة نظرها بإضعاف حماس وقطع الروابط السياسية بين قيادتها وقواعدها.

هناك معادلة بسيطة تفرض نفسها عند قراءة الحرب على قطاع غزة، وهي أن الفجوة السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية بين إسرائيل التي تتلقى دعمًا متنوعًا الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، وحركة حماس التي خذلها "محور المقاومة" الذي انتسبت إليه، ستؤدي إلى نتائج غير مفاجئة عندما تنتهي الحرب.

كانت حركة حماس قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قادرة بالفعل، على ردع إسرائيل من الناحية الأمنية، وقد خاضت مواجهات عسكرية محدودة وغير محدودة معها في الماضي، وفي كل مواجهة منها، كانت تخرج دون استنزاف، أو خسائر استراتيجية، وكانت تُشكل جسمًا فلسطينيًا تحسب إسرائيل حسابه في كل مشروع استيطاني تنوي القيام به، ولكنها بعد ذلك التاريخ، قد تصبح مثل بيدق يقف على رقعة شطرنج، قوته وحركته محدودة، ولا يمكنه العودة للخلف، ويتعين عليه المضي قدمًا، حتى وإن تسبب ذلك في تسريع ملاقاته مصيره.

أخيرًا، لن يقف الأمر هنا حتى وإن سُحقت حركة حماس، حيث سينتج الفلسطينيون شكلًا جديدًا من أشكال المقاومة، للدفاع عن أرضهم وحقوقهم المشروعة، وهذا ما يقوله منطق التاريخ.