النظامي: الذكاء الاصطناعي يسهم في التحقق من الأخبار الكاذبة
الحوراني: الأتمتة تساعد الصحفيين في توفير الوقت والجهد
البيطار: موقع عالمي اضطر لتصحيح 41 مقالة مكتوبة بالذكاء الاصطناعي
الأنباط - الاف تيسير
مع التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت الصحافة واحدة من أكثر المجالات تأثرًا بهذه الثورة الرقمية، حيث تحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة رئيسية في إنتاج المحتوى، بدءًا من جمع وتحليل البيانات وصولًا إلى التحقق من الأخبار وصياغة التقارير الإخبارية.
هذا التطور فتح الباب أمام تساؤلات حول حجم دور الذكاء الاصطناعي في تطوير الصحافة من جهة، والمخاطر الأخلاقية والمهنية التي قد تنجم عن استخدامه من جهة أخرى.
وفي ظل هذه التحولات، تتباين آراء الخبراء حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة، فبينما يرى البعض أنه يعزز الدقة والسرعة في العمل الصحفي، يحذر آخرون من خطورة التحيز الخوارزمي وإمكانية استبدال الصحفيين بالبرمجيات الذكية.
وخلص الخبراء إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة قوية يمكن أن تعزز العمل الصحفي ولكن استخدامه يتطلب وعيًا أخلاقيًا ومهنيًا لضمان دقة المعلومات وموثوقيتها، لافتين إلى أن الصحافة تبقى فنًا إنسانيًا يحتاج الحس الصحفي والقدرة على رواية القصة بعمق وتأثير، والذكاء الاصطناعي مجرد أداة تساعد.
وأوضح الباحث وخبير الذكاء الاصطناعي في الممارسة الصحفية خليل النظامي أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تسهم في جمع المعلومات من جميع أنحاء العالم، والتحقق من الأخبار الكاذبة والمزيفة، وتحليل النصوص واستخراج المعلومات، وتلخيص المقالات الصحفية، والكشف عن الاتجاهات فيها. كما يمكن استخدامها في تحليل تفاعل الجمهور عبر المنصات الرقمية وتخصيص المحتوى ليتناسب مع اهتمامات الجمهور، مما يعزز التفاعل ويزيد من التأثير الصحفي، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير الوقت عبر أتمتة المهام الصحفية مثل تفريغ المقابلات أو جدولة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.
تحليل البيانات الضخمة وتعزيز الصحافة الاستقصائية
إلى ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل مجموعات البيانات الضخمة واستخلاص القصص المخفية داخلها باستخدام أدوات عديدة، فضلًا عن التعرف على الأنماط في أعماق هذه البيانات وربطها مع بيانات من مصادر مختلفة، الأمر يعزز ويطور ممارسة الصحافة الاستقصائية والتقارير التفسيرية والرقمية المعمقة كما يمكن الاستفادة منه في الترجمة وسهولة الوصول إلى مصادر الأخبار العالمية وإنتاج تقارير وقصص إعلامية بلغات عديدة، بحسب النظامي.
الأخطاء والتحيزات في استخدام الذكاء الاصطناعي
بالحديث عن الأخطاء والتحيزات التي قد تحدث بسبب الذكاء الاصطناعي في الصحافة، بيّن النظامي أن العديد من الأخطاء والتحيزات التي حصلت في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الدولية كانت نتيجة التحيز الخوارزمي البرمجي وضعف المتابعة والتحقق من قبل الصحفي البشري، والاعتماد الكلي على الأتمتة الرقمية في الصحافة.
واستعرض النظامي أبرز الأخطاء التي يقع فيها مستخدمو الذكاء الاصطناعي، مثل نشر الأخبار الزائفة، والتحيز العرقي أو الجندري في صياغة التحقيقات والأخبار والقصص الصحفية، خاصة في اختيار العناوين، كما أشار إلى الترجمة الحرفية التي تتلاشى من خلالها الرسالة الإعلامية، وإلى أن بعض الأدوات تجري مقارنات رقمية وتحليلات إحصائية غير دقيقة، ما قد يدخل الصحفي والوسيلة الإعلامية في دائرة الأخبار المضللة.
دراسات حول الذكاء الاصطناعي والصحافة
وأجرى النظامي دراسة استطلاعية على مجموعة من الوسائل الإعلامية المختلفة (صحف، تلفزة، مواقع إخبارية رقمية) لاستكشاف واقع البنى التحتية الرقمية وجودة التدريب والتأهيل، إضافة إلى مستوى استخدام أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الممارسة الصحفية.
وأظهرت نتائج الدراسة تباينًا في مواقف الصحفيين من استخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات التحريرية، حيث أيد جزء منهم الفكرة جزئيًا، في حين أبدى آخرون قلقًا بشأن تأثير هذه التكنولوجيا على دورهم المهني، كما أظهرت الدراسة الحاجة الملحة لتدريب الصحفيين على أدوات الذكاء الاصطناعي وأساليب تحليل البيانات الضخمة، مع التركيز على أخلاقيات استخدام هذه التقنيات.
وأكدت دراسة أخرى أجراها الدكتور عبد الكريم الدبيسي حول "صحافة الذكاء الاصطناعي والتحديات الأخلاقية" أن صحافة الذكاء الاصطناعي تواجه عدة تحديات تقنية ومهنية وأخلاقية ناشئة عن توظيف الخوارزميات في العمل الصحفي.
ومن ناحية التحديات التقنية، تعتمد دقة عمل صحافة الذكاء الاصطناعي على صحة البيانات وجودة إدارتها والقدرة على اكتشاف التحيز الذي تقوم به الخوارزميات كما أن الخوارزميات غير قادرة على أداء نفس الوظائف التي يقوم بها الصحفي، ما يجعلها تواجه تحديات تقنية مثل إنتاج نتائج غير متوقعة تحتوي على أخطاء، بحسب دراسة الدبيسي.
أما التحديات المهنية، فبينت الدراسة أن التطورات التكنولوجية أعادت تشكيل مفهوم عمل الصحافة وإجراءاتها وظروف إنتاجها، مع دخول الخوارزميات إلى مرحلة إنتاج الأخبار وتوزيعها، بدأت هياكل إدارة التحرير وسياقات العمل الصحفي تتغير بشكل كبير، ما أدى إلى تغير القيم والمسؤوليات الموكلة للصحفيين.
استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي
في هذا السياق، تحدث خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي حسام الحوراني عن أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي في الممارسة الصحفية، وأكد أن الأتمتة تساعد الصحفيين في توفير الوقت والجهد، ولكن يظل دور الصحفي أساسيًا في تقييم دقة ومصداقية المعلومات التي يتم إنتاجها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
نصائح للصحفيين في عصر الذكاء الاصطناعي
وجه الحوراني نصيحة للصحفيين بعدم الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، لأنه قد يؤدي إلى تراجع مهاراتهم البحثية وفنهم في المقابلات الصحفية والتحليل الاستقصائي كما أكد على ضرورة التحقق من صحة المعلومات من مصادر متعددة وعدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كمصدر وحيد.
الذكاء الاصطناعي: أداة للمستقبل وليس بديلًا
واختتم الحوراني بأن الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانيات هائلة للصحافة، لكنه ليس بديلًا عن الصحفيين، بل هو مكمل يعزز من قدراتهم، استخدام هذه التقنية بشكل أخلاقي ومسؤول سيحدد ما إذا كانت الصحافة ستستفيد من هذه الثورة التكنولوجية أم ستقع في فخ التحيز والمعلومات المغلوطة.
دور المؤسسات الإعلامية في تبني الذكاء الاصطناعي
من جهته، أوضح المهندس نضال البيطار الرئيس التنفيذي لـ جمعية شركات تقنية المعلومات - إنتاج أنه يمكن للصحفيين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة والدقة مع الالتزام بأخلاقيات المهنة متمثلة بالتغطية السريعة من خلال استخدام أدوات التوليد التلقائي للأخبار (مثل تقارير الأرباح أو النتائج الرياضية) مع التأكد من مراجعة المحتوى بواسطة البشر وعلى سبيل المثال، وكالة "أسوشيتد برس" تستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد آلاف التقارير المالية سنويًا، مع تدقيقها مسبقًا وتحليل مجموعات البيانات الضخمة لاكتشاف الاتجاهات أو القصص الخفية.
التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي
وأشار البيطار إلى أن التحديات الأخلاقية التي تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة تترجم إلى التحيّز في البيانات والخوارزميات، ما قد يؤدي إلى تغطية إعلامية غير عادلة؛ إضافةً إلى انتهاك الخصوصية نتيجة جمع وتحليل البيانات الشخصية بكثافة، كما تبرز الحاجة إلى الشفافية عند استخدام الأدوات الذكية، إذ قد ينشأ التشكيك في مصداقيتها إذا وُظّفت دون توضيح آلية عملها أو مصدر معلوماتها وأخيرًا، تواجه المؤسسات تحدي التزييف العميق (Deepfake).
وحول الأخطاء أو التحيزات، استشهد البيطار بموقع ، "CNET” الذي اضطر لتصحيح 41 مقالة مكتوبة بالذكاء الإصطناعي بسبب أخطاء في معلومات مالية، وفي بعض الحالات، أدّت الخوارزميات المستخدمة في الصحافة إلى أخطاء أو تحيّزات، مثل نشر تقارير غير دقيقة عن نتائج المباريات الرياضية، أو تسليط الضوء على وجهة نظر واحدة من دون مراعاة الزوايا الأخرى، وفي كثير من الأحيان تولد تطبيقات الذكاء الاصطناعي عن أحداث تاريخية من وجهة نظر واحدة فقط وتكون غير دقيقة.
نصائح للصحفيين حول استخدام الذكاء الاصطناعي
وبيّن البيطار أهمية الحرص على معرفة كيفية عمل الخوارزميات وأطر الذكاء الاصطناعي المستخدمة لضمان توظيفها بشكل فعّال، وذلك من خلال المشاركة في دورات تدريبية وفعاليات متخصصة، والبقاء على اتصال مع خبراء الذكاء الاصطناعي لتحديث المعرفة والتعرّف على أحدث التطورات في هذا المجال معرجًا على التأكد من دقة ونزاهة البيانات التي تُغذّي الأدوات الذكية؛ فالنتائج مرتبطة بجودة البيانات المدخلة.