ترامب ينسف الأسس العلمية لمكافحة التغير المناخي.. هل يتراجع العالم عن التزاماته؟

نبض البلد -

شوشان: إلغاء نتائج 2009 يضعف الجهود المناخية عالميًا ويمنح مبررًا لتقليص الاستثمارات بالطاقة النظيفة

المجالي: إلغاء اللوائح قد يخدم الشركات مؤقتًا.. لكن العواقب البيئية والاقتصادية ستكون كارثية

الأنباط - ميناس بني ياسين

في خطوة قد تعيد تشكيل المشهد البيئي العالمي، كشفت توصية سرية تلقتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في فبراير 2025 عن دعوة لإلغاء أو إعادة صياغة نتائج علمية محورية تم التوصل إليها عام 2009 بموجب قانون الهواء النظيف(Clean Air Act).

هذه النتائج التي أكدت أن الغازات الدفيئة تشكل خطرًا على الصحة العامة والبيئة، شكّلت حجر الأساس للسياسات الأمريكية للحد من الانبعاثات، وكان لها تأثير مباشر على الجهود المناخية الدولية.

وإلغاء هذه النتائج أو التراجع عنها قد يفتح الباب أمام تداعيات بيئية خطيرة تمتد إلى ما هو أبعد من الولايات المتحدة، ليؤثر بشكل مباشر على الدول العربية، سواء من حيث التزامها بالتحول نحو الطاقة المتجددة أو من حيث قدرتها على مواجهة التغيرات المناخية المتسارعة.

ويرى خبراء أن تخفيف القوانين البيئية المستندة إلى تقرير 2009 قد يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة من القطاعات الصناعية والنقل وتوليد الطاقة، وقد يسمح ذلك لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم أو النفط بمواصلة العمل دون قيود، ما سيزيد حالة الهواء سوءًا.

تأثير إلغاء النتائج العلمية على الجهود العربية لمكافحة التغير المناخي

وفي السياق، أكد رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر شوشان أن إلغاء أو إعادة صياغة نتائج عام 2009 بموجب قانون الهواء النظيف والتي تؤكد أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري؛ تشكل خطرًا على الصحة العامة والبيئة، قد يضعف الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي بشكل كبير، إضافة إلى أن هذه النتائج شكلت حجر الأساس لتنظيم انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكبر الدول المنتجة للانبعاثات تاريخيًا، على الصعيد العالمي، قد يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تراجع عن الالتزامات البيئية، مما يقلل الضغط على الدول الأخرى لتكثيف جهودها، خاصة في ظل اعتماد اتفاقيات مثل اتفاقية باريس على التعاون الدولي.

وأوضح أنه في المنطقة العربية حيث تعتمد العديد من الدول على الوقود الأحفوري كمصدر اقتصادي رئيسي، قد يُشجع هذا الإلغاء على إبطاء التحول نحو الطاقة المتجددة دول مثل الإمارات والسعودية، التي أطلقت مبادرات طموحة مثل "الحياد المناخي 2050" و"رؤية 2030"، تجد مبررًا لتقليص استثماراتها في الطاقة النظيفة إذا شعرت أن الدول الكبرى تتراجع عن التزاماتها.

كما أن الدول العربية الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي، مثل مصر (مع تهديدات ارتفاع منسوب البحر على دلتا النيل)، قد تواجه تحديات إضافية إذا لم تُدعم الجهود العالمية بقوة قانونية من جانب الولايات المتحدة.

العواقب البيئية المحتملة إذا تم تخفيف القوانين البيئية

وأكد شوشان أن تخفيف القوانين البيئية المستندة إلى تقرير 2009 قد يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة من القطاعات الصناعية والنقل وتوليد الطاقة في الولايات المتحدة، وقد يسمح ذلك لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم أو النفط بمواصلة العمل دون قيود صارمة، مما يزيد من تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يُسرّع من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مما يؤدي إلى تفاقم الظواهر المناخية المتطرفة مثل موجات الحر، الفيضانات، والجفاف.

وعلى الصعيد البيئي أضاف أنه من المحتمل أن يؤثر ذلك على جودة الهواء، حيث ستزداد الملوثات مثل الجسيمات الدقيقة (PM2.5) والأوزون الأرضي، مما يفاقم مشكلات الصحة العامة مثل أمراض الجهاز التنفسي، وعلى المستوى العالمي قد يسهم في تسريع ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد المناطق الساحلية، بينما في العالم العربي، قد يعني هذا ضغطًا إضافيًا على الموارد المائية الشحيحة أصلًا وتدهور الأراضي الزراعية بسبب التصحر المتسارع.

هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى موجة مماثلة في دول أخرى لتخفيف قيود الانبعاثات؟

وتابع أنه من المحتمل جدًا أن يُحفّز إلغاء هذه النتائج موجة مماثلة في دول أخرى، خاصة تلك التي لديها مصالح اقتصادية مرتبطة بالوقود الأحفوري أو التي تواجه ضغوطًا لتلبية أهداف مناخية طموحة على سبيل المثال، دول منتجة للنفط مثل روسيا أو المملكة العربية السعودية قد تستغل هذا التطور لتبرير تقليص اللوائح البيئية تحت ذريعة "التوازن الاقتصادي" كما أن دولًا نامية تعاني من نقص التمويل للتحول الأخضر قد ترى في ذلك فرصة للتراجع عن التزاماتها، بحجة أن الدول المتقدمة لا تلتزم بشكل كامل.

وأشار إلى أنه قد تختلف الاستجابات بناءً على السياق السياسي والاقتصادي فـ دول أوروبية مثل ألمانيا أو فرنسا، التي تعتمد على خطط مناخية صارمة، قد تقاوم هذا الاتجاه للحفاظ على ريادتها في العمل المناخي لكن الديناميكية العالمية قد تتأثر سلبًا إذا أدى ذلك إلى انهيار الثقة في التعاون المناخي الدولي.

التأثير على التزام الولايات المتحدة ودول أخرى باتفاقيات المناخ الدولية

وبين شوشان أن هذه الخطوة قد تُضعف التزام الولايات المتحدة باتفاقيات مثل اتفاقية باريس، التي تتطلب من الدول تحديد أهداف واضحة لخفض الانبعاثات، وإذا ألغت إدارة ترامب هذه النتائج، فقد يُفسر ذلك على أنه رفض للأسس العلمية التي تدعم تلك الاتفاقيات، مما يُعزز الشكوك حول جدية الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها المناخية، ما قد يُعيد إلى الأذهان انسحاب ترامب من اتفاقية باريس في ولايته الأولى، رغم أن إدارة بايدن أعادت الانضمام لاحقًا.

أما بالنسبة للدول الأخرى فسيؤدي ذلك إلى تآكل الثقة في النظام الدولي للمناخ والدول النامية التي تعتمد على التمويل والدعم الفني من الدول المتقدمة، قد تشعر بالإحباط وتقلص طموحاتها إذا رأت أن الولايات المتحدة تتراجع.

في المقابل، قد تستغل دول مثل الصين هذا الفراغ لتعزيز دورها القيادي في العمل المناخي، لكن ذلك لن يعوض بالضرورة التأثير السلبي على الزخم العالمي بشكل عام، قد تُعرقل هذه الخطوة التقدم نحو الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأساسي لاتفاقية باريس.

ومن جانبه، تحدث الخبير الاقتصادي حيدر المجالي عن قانون الهواء باعتباره تشريع بيئي يهدف إلى تحسين جودة الهواء وتحسين صحة الإنسان وبتقليل مستويات التلوث.

وأضاف أن هذا القانون تم إقراره بأمريكا في سبعينات القرن الماضي لكن خضع للعديد من التعديلات.

وتابع أن الكثير من الدول اعتمدت هذا القانون بعد الولايات المتحدة لأنه أصبح متطلبًا بيئيًا للكثير من المشاريع.

وفيما يتعلق بإلغاء اللوائح وتأثيره على الشركات العربية والعالمية والأمريكية، أشار المجالي إلى أن إلغاء لوائح قانون الهواء النظيف قد يؤدي إلى فوائد قصيرة المدى لبعض الشركات لكن المخاطر ستكون طويلة المدى بحيث أنها تتعلق بالصحة العامة والبيئة مما يؤثر على الأطراف كافة، وإلغاء هذه اللوائح قد يكون فيه فوائد قصيرة المدى لبعض الجهات، لكن لها مخاطر بعيدة المدى وطويلة المدى.

تأثير إلغاء لوائح الهواء النظيف على الدول العربية

وفيما يتعلق بتأثير إلغاء لوائح الهواء النظيف على الدول النامية والدول المنتجة للنفط وغير المنتجة، فمن المتوقع أن نشهد تأثيرات طويلة المدى ستكون سلبية نتيجة التقاعس في فرض القواعد المتعلقة بحماية البيئة أي أنه سيترتب الكثير على الدول النامية، بحسب المجالي.

وأضاف هذه الدول المنتجة لن تتعلم الالتزام بمعايير البيئة ما سيسمح لها أن تنتج وسيؤدي ذلك من الناحية الاقتصادية إلى تحسين الربح. أما الدول غير النفطية أو غير المنتجة للنفط فستشهد نتائج تتعلق بتأثيرات على البيئة وصحة الإنسان والضغط على الأنظمة الصحية.