قنابل بشرية جاهزة للتفجير

نبض البلد -

بهدوء

عمر كلاب

منحتني نافذة مكتبي فرصة مراقبة الشارع العام الواصل بين دوار الداخلية ووسط البلد مرورًا بالعبدلي , وأستطيع من خلال النافذة مراقبة ما يحدث مقابل المستشفى الإسلامي وأمام مجلس الأمة وما يحدث أمام وزارة التربية والتعليم بشكل أقل , لكن أفضل زاوية للرؤية والمشاهدة وتسجيل الملاحظة هي المائة متر التي تتجمع فيها أسواق تحمل اسم القدس , بربوعها ومآذنها وأسوارها وكل ما يتعلق بالقدس الشريف على شكل أسعار محروقة وتنزيلات دائمة لمواد تموينية , تستجلب أزمة سير شبه دائمة واصطفافات عجيبة وغريبة وقطع شارع مكتظ برتابة , رغم وجود جسر للمشاة عجز عن جذب الجمهور لاستخدامه , ولربما تحتاج أمانة عمان ودائرة السير إلى استنساخ العروض التي تقدمها المحال التجارية على طرفي الجسر لجذب المُستخدمين .

الاكتشاف الذي يمكن أن أقوم بتسجيله كملكية فكرية لي , هو التحول السريع والعجيب في مزاج الناس خلال أقل من ثانية , حيث تنقلب الرتابة إلى مشاجرة أو تتنيحة وإغلاق الشارع وأحيانًا تقول الأعين والإشارات الغاضبة ما تعجز الكلمات عن وصفه , فجأة يتحول الشخص المقابل إلى كائن غامض مستوحش وكأنك قاتل أباه , وفجأة تظهر أعراض الانقلاب المفاجئ ومتلازمته الغاضبة دون أدنى أعراض سابقة ودون أية إشارات توحش , مما يستوجب التوقف أمام هذه الظاهرة ودراستها , بل وتشكيل فريق من الأطباء النفسيين وعلماء الاجتماع لمواجهة هذه المتلازمة المنتشرة دون أدنى مقاومة أو توفير أمصال ومطعومات للوقاية منها.

والمتلازمة حسب موسوعة ويكيبيديا : مجموعة من الأعراض المرضية والعلامات المتزامنة ذات المصدر الواحد في الطب أو الطب النفسي و استُخدم المصطلح في العقود الأخيرة خارج الطب إشارةً إلى ظواهرَ متآلفةٍ تظهر باتحاد , كما يحدث في شوارعنا , حيث تتحد هذه المتلازمة مع الأدوات المستخدمة بُعيد الانقلاب الفجائي للشخص الذي يقابلك في الشارع لحظة اصطدامك العفوي به أو تظهر على السائق الذي أمامك أو خلفك حال صدور تصرف منك يستفزه دون وجوب أن يكون هذا التصرف من الأفعال التي توجب الاستفزاز , فمجرد النظر إليه وهو يغلق أحد المسارب تكفي كي تظهر كل أسماء الإشارة وأدوات الاستفهام المقرونة بوسائل الإيضاح واللوحات المرسومة على الوجه واليدين , وغالبًا ما يتطور هذا الشرح الإيمائي إلى محاولة فتح باب المركبة بطريقة مريعة .

فيروس الانقلاب الفجائي ومتلازمته , ليس مرتبطًا بعوامل اقتصادية مثل الفقر أو الغنى , فمن السهل أن يتصرف سائق مركبة زهيدة أو متوسطة الثمن بنفس التصرف الذي يقوم به سائق مركبة فارهة وثمينة , وغير مرتبط بالمستوى الاجتماعي والتحصيل الأكاديمي فسبق أن رأيناها – المتلازمة - تحت قبة البرلمان وفي غرف العمليات وفي غرف المدرسين بل وفي مكاتب الوزراء , مما يؤكد انتشار الفيروس في الهواء الذي نتنفسه أو في الواقع الذي نعيشه , ومن الواضح أيضًا أن عمر هذه المتلازمة قصير والفيروس سهل الانخماد , فمجرد دقائق معدودة وتختفي الظاهرة إما باعتذار سريع أو بهروب أسرع وقليل ما يقوم الشخص الآخر بمحاولة اللحاق بالهارب الذكي , لكن انفجار الفيروس السريع والقصير أودى بحياة كثيرين وجلب الدمار لكثيرين أيضًا.

سمعنا عن متلازمات كثيرة وسمعنا عن انقلابات بشرية كذلك , لكن فترة الحضانة لما سمعنا عنه في أقطار بعيدة وقريبة تستغرق تراكمًا من السنوات ومعادلات طويلة , على عكس الانقلاب الفجائي عندنا الذي يشتعل سريعًا ويخمد سريعًا وكأننا جميعا ننتمي إلى الأبراج النارية , بمعنى أن إمكانية القضاء على الفيروس أو تقليص نشاطه واردة ونحتاج فقط إلى الرغبة في المعالجة وقبل ذلك الاعتراف بالمشكلة التي ما زلنا ننكرها وهذه هي الأزمة.

omarkallab@yahoo.com