أحمد الضرابعة
بعد مضي عشرين سنة على انتكاب أهل فلسطين، وسنة واحدة على انتكاس العرب في حرب الستّة أيام التي تجرَّعت خلالها الجيوش العربية طعم الهزيمة، وكانت نتيجة ذلك احتلال إسرائيل للضفة الغربية، والقدس الشرقية، وجزيرة سيناء، وقطاع غزة، وهضبة الجولان السورية، بمساحة إجمالية تبلغ 69347 كم².
خرجت الدول العربية المُشاركة في حرب 1967، بخسارة تلك الأراضي، وتحطُّم قدراتها العسكرية، من بينها الأردن التي تعرَّضت لهجمة إسرائيلية غاشمة في العام التالي، دون أن تحظى بوقت كافٍ لمعالجة الأضرار التي أصابتها، ولم يتسنَّ لها إعادة تعبئة طاقات قواتها المسلحة وتنظيم صفوفها، إلّا أن هذه الظروف، لم تَحُل دون كسب المعركة، ولم يكن نقص الذَّخيرة والعتاد حائلًا أمام مواجهة حتميّة، فالبأس الأردني معروفٌ أنه لا يلين، وروح العُروبة قد تمرض، لكنها لا تموت؛ فوقعت معركة الكرامة، فسُجِّل أول انتصار عربي على إسرائيل، وتحطَّمت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر على صخرة الأردن العظيم.
تأخر الأردنيون في توثيق معركة الكرامة، وكانت نتيجة ذلك، أنها اختُطفت منذ يومها التالي لصالح تنظيمات سياسية، اعترف الكثيرون من قادتها في وقت لاحق بالدور المحوري والحاسم للجيش الأردني في هزيمة قوات الاحتلال الإسرائيلي، فمثلًا، يقول الرئيس السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية يحي حمودة: "لم تكن الكرامة معركة الفدائيين بل معركة الجيش الأردني، كانت معركة آليات ومدرعات، في الكرامة كان حوالي 400 من عناصر فتح، بعضهم بقي وبعضهم انسحب, الجيش الأردني اشترك مشاركة فعالة، كانت معركة آليات ودروع". تحت عناوين عاطفية، يحاول كُتّاب يسيرون على الخط السياسي لهذه التنظيمات، تمرير مغالطات تاريخية حول معركة الكرامة، فيقومون بتضخيم أدوار وهمية، أو ثانوية في أحسن الأحوال، وتقزيم أدوار أساسية وحاسمة، وهنا لا بد أن يدرك الأردنيون أن منجزاتهم الوطنية لا يمكن المجاملة فيها، وأنها ليست قابلة للقسمة مع كل متطفل أو عابر أو طارئ.
في الوقت الذي تتنازع فيه الشعوب لتأكيد "وطنية" الأطعمة التي تطهوها، يُعاب على الأردنيين التأكيد على أردنية المعركة التي خاضوها على أرضهم، وكأن الدفاع عن هذه المحطات التاريخية الفارقة يُعتبر سلوكًا دونيًا. بل على العكس، إن هذا التأكيد يحمل في طيّاته فخرًا بالهوية الوطنية الأردنية، ويبرز الوعي العميق بالحفاظ على الإرث الوطني وحمايته
أخيرًا، يبقى الشعب الأردني جزء لا يتجزأ من أمته العربية، ولا يمكن الانتقاص من عروبته عند تأكيده على وطنية انتصاراته؛ فهذا الشعب تحمل عبء الدفاع عن أمته في محطات تاريخية عديدة، ولا يزال يجسد روح الوحدة والانتماء العربي، ولكنه ليس مستعدًا للتضحية بتاريخه ومنجزاته الوطنية، أو اقتسامها مع غيره لترضى عنه بقايا جماهير الأنظمة والتنظيمات السياسية البائدة أو المأزومة.