الشوبكي: الإجراءات الأمريكية جزء من سياسة ثابتة منذ عام 1997
جرار: تنفيذ لوعود رئاسية وإجراءات أخرى قريبا
أيوب: قرارات ترامب بشأن الهجرة هي استكمال للعداء التاريخي تجاه فلسطين
الأنباط - رزان السيد
تعود ازدواجية المعايير والمزاجية بالتصنيف إلى الواجهة من جديد مع توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى معاقبة المتعاطفين مع القضية الفلسطينية والذين عبروا عن استيائهم من مشاهد التنكيل والإبادة الجماعية التي شهدتها غزة طوال 15 شهرًا.
مظاهرات إدانة للاحتلال ورفض للإبادة والتعاطف من الشعب الفلسطيني عمت أرجاء العالم من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، فلم توفر شعوب المعمورة جهدًا إلا وبذلته في سياق محاولات وقف العدوان الصهيوني على غزة، ولم تقم أي من دول هذه الشعوب باتخاذ إجراءات عقابية أو انتقامية تجاه المتظاهرين باستثناء الإدارة الأمريكية.
ويرى خبراء أن القرارات المتعلقة بالمتعاطفين مع القضية الفلسطينية، قرارات سياسية انتقامية، وتعد استكمالًا للعداء الأمريكي التاريخي تجاه فلسطين، كما هو الحال مع تزويد إسرائيل بالمقاتلين وأدوات القتل والتدمير، دون أي تمييز، مؤكدين أن هذه الإجراءات ستندرج ضمن خطوات إرضاء الكيان الصهيوني.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الأشخاص المؤيدين لحركة حماس، متوعدة بإلغاء تأشيرات الإقامة ومنح تأشيرات جديدة لأولئك الذين يتم تحديدهم كمؤيدين للحركة أو داعمين لها، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات ستشمل كافة الأفراد الذين شاركوا في احتجاجات الشوارع والجامعات، أو أولئك الذين قاموا برفع علم فلسطين أو حرق علم إسرائيل في أي مناسبة.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة، في بيان رسمي، أن القرار يأتي في إطار تعزيز الأمن القومي الأمريكي ومكافحة أي نشاطات أو تحركات ترتبط بالجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، وأكد أن أي شخص يتم تحديده كمؤيد لحماس سيكون عرضة لإلغاء تأشيرة الإقامة الخاصة به، وسيتم ترحيله بشكل فوري من الأراضي الأمريكية.
والخطوة الأبرز في هذه الإجراءات هي قرار منع الطلاب الذين يعتبرون مؤيدين لحماس من الحصول على أي شهادات مدرسية أو جامعية معترف بها، بالإضافة إلى عدم تصديق أية شهادات أو وثائق تخصهم، القرار يهدف إلى منع هؤلاء الأفراد من الاستفادة من النظام التعليمي الأمريكي في المستقبل، ويعد سابقة في كيفية معالجة الأنشطة السياسية التي تعتبر تهديدًا للأمن القومي.
والمضحك في الأمر أن الإدارة الأميركية تتستر بمعاقبة مؤيدي حماس، لكن في قراراتها تتجه لمعاقبة كل من رفع علم فلسطين.
ويرى الخبير الأمني والسياسي، محسن الشوبكي أن الإجراءات الأمريكية بإلغاء التأشيرات والإقامات لمؤيدي حركة حماس داخل الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام الذكاء الاصطناعي للبحث في مجال الإنترنت حول مواقف الأشخاص قبل الحصول على التأشيرة، ليست جديدة، مشيرًا إلى أنها جزء من إجراءات أمريكية بدأت منذ عام ١٩٩٧، وذلك عندما استهدفت الأجهزة الأمنية الأمريكية واجهات خيرية ومالية ترتبط بقيادات لحركة حماس في أمريكا، إذ تم طرد العشرات منهم وإغلاق مؤسسات ومحاكمة قيادات حماس أشرفت على هذه الواجهات، ومن أبرزهم موسى أبو مرزوق.
وبين بأن إعلان هذه الإجراءات من قبل الخارجية الأميركية، هو إرضاء للكيان الصهيوني، والذي أبدى غضبه على الحوارات التي دارت في قطر بين حماس والولايات المتحدة، علمًا بأن هذه الإجراءات مستمرة تحت بند محاربة الإرهاب والتمويل المالي، كما أن وزير الخارجية الأمريكي يعد من أبرز المؤيدين للكيان.
ويرى المحلل السياسي، الدكتور سمير أيوب، بأن القرارات المتعلقة بأنصار فلسطين، هي قرارات سياسية انتقامية، تعد استكمالًا للعداء الأمريكي التاريخي تجاه فلسطين، كما هو الحال مع تزويد إسرائيل بالمقاتلين وأدوات القتل والتدمير، دون أي تمييز.
وتطرق أيوب في حديثه لـ"الأنباط" إلى التدفق غير النظامي للمهاجرين بسبب تحديات اقتصادية وسياسية.
وذكر بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصدر بعد تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025، أوامرًا تنفيذية لتعزيز إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة، وألغى سياسات سابقة كانت تحد من الأماكن التي يمكن أن تحدث فيها هذه الاعتقالات، والتي كانت تعتبر ملاذات آمنة، كالمستشفيات وأماكن العبادة والمدارس وغيرها.
كما أثار احتجاز المبعدين في مراكز لا تستوفي المعايير الإنسانية، إذ تم استخدام طائرات عسكرية في عمليات الترحيل في ظروف تثير انتقادات دولية متزايدة.
وأوضح أيوب، في حديثه مع "الأنباط" بأن التصعيد في ملف الهجرة كان جزءًا من مجموعة من الإجراءات التي اتخذها ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، تنفيذًا لتعهد قطعه على نفسه لوضع حد للهجرة غير النظامية، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات تزامنت مع سلسلة من الأوامر التنفيذية المتعلقة بسياسات الهجرة، التي تشوه سمعة المهاجرين وتدعو إلى تقليص الفرص المادية والقانونية للقبول في الولايات المتحدة، كما تستهدف حقوق المهاجرين بمحاولة إلغاء حق المواطنة بالولادة بطريقة غير دستورية.
بيَن الكاتب السياسي الأمريكي الأردني، والمتخصص في دراسات السلام، بشار جرار، بأنه لا صحة على الإطلاق لإلصاق قرارات إلغاء تأشيرة أو إقامة بأي من حقوق التعبير أو الاعتقاد أو المواقف السياسية والإعلامية عموما، مشيرا الى أن القرار الذي اتخذته الخارجية الأمريكية يستند إلى أمر تنفيذي رئاسي، وهو في الأصل وعد انتخابي بأن يتم طرد مؤيدي حماس وحزب الله وغيرها من التنظيمات المدرجة على لائحة الإرهاب في أمريكا من الجامعات والبلاد.
وأوضح بأن الأمر بدأ إثر أعمال شغب وتخريب واحتلال مبان تضم قاعات دراسة في جامعات من بينها جامعة "كولومبيا" العريقة والمرموقة عالميا في مدينة نيويورك، ورغم تزامن تلك النشاطات مع التظاهرات، طالبت إدارة الرئيس السابق جو بايدن بالضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أنها بدأت تثير تحفظات ومن ثم انتقادات لتحول الأمر من الدعوة إلى السلام، إلى دعم حماس وحزب الله، ومن الدعوة إلى وقف القصف الذي سقط فيه مدنيون فلسطينيون عزّل في قطاع غزة، إلى تبرير ما جرى في السابع من اكتوبر 2023 إلى حد "تمجيد" خطف الرهائن ومن بينهم أطفال ونساء ومسنين، مما تم تسجيله من مخالفات قانونية أيضا قيام بعض الناشطين من فلسطينيين وعرب وأمريكيين بالمشاركة.
وأشار جرار خلال حديثه لـ "الأنباط"، أن هذا الأمر اعتبر منافيا لقوانين التظاهر، كنزع صور الرهائن المدنيين الإسرائيليين من أماكن عامة في ولايتي نيويورك ونيوجيرسي، إذ كانت التجمعات كبيرة نسبيا من اليهود الأمريكيين ومزدوجي الجنسية من الأمريكيين الإسرائيليين، كما أثار رفع رايات حماس وحزب الله وحتى طالبان والقاعدة وإيران موجة حادة من الاحتجاجات، لا سيما بعد قيام ناشط بحرق العلم الأمريكي ودوسه، وآخر برفع العلم الفلسطيني أمام النصب التذكاري لكريستوفر كولومبوس ومحطة القطارات والباصات المركزية عبر أمريكا في قلب العاصمة واشنطن دي سي.
كما أضاف بأن كل ما تقدم وأكثر تم رصده وتجميعه ومتابعته إعلاميا، سياسيا وقانونيا وقد استمال به الرئيس دونالد ترمب الكثير من الأصوات اليهودية في تلك الولايتين إضافة إلى ولاية بنسيلفانيا المتأرجحة التي كسبها، والولايات الأخرى الستة، مخالفا توقعات ما يعرف بتيار الصحافة الرئيسي "مين سترييم ميديا" الذي ثبت تسييسه في ملفات كثيرة لا تقتصر على الانتخابات.
وتابع جرار، بأن ما جرى وسيجري ليس عملا انتقاميا ولا حتى عقابيا، ما يحدث هو تنفيذ للقوانين الأمريكية واحتراما للقيم التي قامت عليها أمريكا وهي "تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين"، ورفض التعبير العنيف ودعم الإرهاب دون تحفظ، حتى الشعارات مكتوبة أو هتافا وقع فيها بعض الناشطين بمحاظير قانونية وصلت إلى الاتهام بدعم الإرهاب ومعاداة السامية، مشيرا الى أن شعار "من النهر إلى البحر" مثلا يعتبر في أمريكا من الناحية القانونية متماشيا مع دعوة إيران مثلا إلى إزالة إسرائيل عن الخارطة، والخلط بين اليهودية والصهيونية أصبحت قضايا حافلة بالإشكالات القانونية والسياسية، ليس في أمريكا فقط بل في معظم الدول الأوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
أما ما يتردد عن الإجراءات التأديبية اكاديميا كالفصل النهائي أو المؤقت وعدم تصديق الشهادة، فقد أكد جرتر بأن هذا الأمر يعتبر من المسائل المتفاوتة حسب الولايات والجامعات، ومسائل قد يكون فيها الكثير من الأخذ والرد في المحاكم، والأمر لم يتوقف عند حرم الجامعة الذي ثبت أنه تم انتهاكه من مجموعات ليسوا بطلبة تلك الجامعة -كولومبيا-، ولا حتى من الطلبة أصلا، وبعضهم من المقيمين غير الشرعيين، إذ زادت التجاوزات إلى حد تبرير قرار جهات إنفاذ القانون كمكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" والشرطة المكلفة بتوقيف وترحيل المخالفين من الزوار أو اللاجئين المعروفة اختصارا ب "آيس" تبريرهم بدعم من وزارات الأمن الوطني والعدل والخارجية الأمريكية لإلغاء تأشيرات دراسة وحتى الإقامة المعروفة ب "الغرين كارد".
كما أشار جرار الى قضية الناشط محمود خليل، قائلا:" ما هي إلا البداية"، إذ أن ترامب عبر عن سعادته بقرار ترحيله عبر تغريدة عنوانها "شالوم محمود"، وتعهد هو ووزير الخارجية ماركو روبيو بأن ما جرى ما هو إلا البداية، أما إيلون ماسك مسؤول "دوج" أو وزارة الكفاءة الحكومية فقد قدم عونا عبر برمجيات الذكاء الاصطناعي التي عملت على مراجعة منشورات آلاف الطلبة عبر منصات التواصل الاجتماعي للتفريق بين ما هو إبداء للرأي و تعاطف وما بين خطاب الكراهية والتحريض على العنف والإرهاب.
واختتم حديثه بأن التحدي لا شك بأنه كبير، ولعلها فرصة للتعاون والتوعية إنقاذا لذوي النوايا الحسنة من التغرير بهم، تحت شعارات زائفة أو أغراض أبعد ما تكون عن الدعوة إلى السلام أو الحرية.