نبض البلد -
حاتم النعيمات
من الواضح أن نتائج التنسيق الأردني-التركي بدأت تظهر على الساحة السورية، فبعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمر جوار سوريا في عمّان، تم توقيع اتفاق لدمج قوات "قسد” ذات الغالبية الكردية مع قوات الجيش الجديد في سوريا. وقد وقّع الاتفاق كل من مظلوم عبدي ممثلًا لـ”قسد” وأحمد الشرع، الرئيس الانتقالي لسوريا. يشمل الاتفاق بنودًا أخرى تتعلق بالنفط في الشرق وبعض الترتيبات السيادية.
جاء هذا الاتفاق أيضًا بعد معارك دامية في الساحل السوري أودت بحياة المئات من المدنيين (حسب عدة مصادر)، وعلى ما أعتقد، فإن خماسية عمّان قد تنبّهت إلى خطر الفوضى الذي بدأت نواته في الساحل، وهذا بدوره دفع إلى اتخاذ هذه الخطوة المهمة.
الارتكاز الاستراتيجي لما يحدث في سوريا الآن يمكن اختزاله بتصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رؤيته للوضع هناك، حيث أبدى في منشور له على منصة "تروث” أن الملف السوري ليس من أولوياته. وهذا، في تصوري، خفّف من حالة تزاحم المصالح في سوريا وأعطى خماسية عمّان مساحة أكبر للتحرك.
تصريحات مظلوم عبدي بعد توقيع الاتفاق أكدت وجود وساطة أمريكية ساهمت في إبرامه، حيث إن واشنطن هي التي قامت بتدريب وتسليح ودعم "قسد” في سياق الحرب على "داعش”. وهذا يؤكد أيضًا أن الملف السوري لم يعد ذا أهمية كبيرة لدى إدارة ترامب، فدمج "قسد” مع جيش ناشئ لحكومة غير معترف بها من قبل أمريكا يدل على وجود رؤية جديدة تجاه الوضع.
من جهة أخرى، فالأردن عضو في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وهو التحالف الذي كانت عملياته تتركز في شرق سوريا (منطقة عمليات "قسد”)، ويعرف بالضبط ما يجري هناك. وقد عبّر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال اجتماع عمّان المذكور، عن أن تنظيم داعش بدأ يستجمع قواه في تلك المنطقة. والتركيز على فكرة عودة داعش يتيح فرصة لخلق بؤرة دعم لسوريا، مما يصب في مصلحة كل من يساعدها، وعلى وجه الخصوص تركيا والأردن.
تركيا دولة مهمة وقد خلقت واقعًا جديدًا علينا التعامل معه، شئنا أم أبينا. فالنمط السياسي التركي غير مضمون، وليس لديه مشكلة في دعم الجماعات المتطرفة لتنفيذ مصالحه، إلا أن تخليص أنقرة من أزمة الأكراد في الشمال سيجعلها تحرص دائمًا على الحفاظ على هذا المكتسب.
في المحصلة، فإن تعزيز العلاقات مع تركيا ومجاملتها في ملف الأكراد يزيد من مساحة حركتنا داخل الوضع السوري، ويسهّل علينا تحقيق مصالحنا.، كما سيفضي أيضًا إلى تعطيل المشروع الإسرائيلي الهادف إلى التقارب مع الأكراد جغرافيًا، لخلق مناطق نفوذ وسيطرة بحجة إيجاد حاجز يمنع أي مشروع إيراني في المستقبل.
المنظور القريب يشير إلى أن اتفاقية الشرع-عبدي تصب في مصلحتنا، ولكن الأمور ما زالت هشة في تقديري، وتحتاج إلى استمرار حالة اليقظة، مع مواصلة سياسة المبادَرة في الفعل (وعدم انتطار رد الفعل) التي انتهجتها الدولة الأردنية مؤخرًا في التعامل مع الأزمة السورية.