حاتم النعيمات
بعد السابع من أكتوبر، تقف المنطقة أمام استحقاقات لا مجاملة فيها ولا يمكن التعامل معها كما كان في السابق، فهناك في واشنطن تغيرات عميقة وصلت إلى حد إطباق اليمين المتدين الأمريكي على السلطة التشريعية والتنفيذية، وهذا على حد معرفتي لا يحدث عادة، وهناك في كيان الاحتلال يمين آخر يسجل الإنجازات مثل تحييد أذرع إيران في المنطقة وتحصيل شرعية التحرك بحرية في المنطقة تحت ذريعة الأمن.
التغيرات العميقة داخل الولايات المتحدة تجري على قدم وساق، فهناك مواجهات تخوضها الإدارة الجديدة مع أركان الدولة الأمريكية التي تبلورت بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت على أثر ذلك جميع مسلّمات الدولة الأمريكية على طاولة نقاش إدارة ترامب المدعومة من الكونغرس؛ سواء فيما يخص التصنيع العسكري والمساعدات الخارجية والجهاز الإداري، فوصلت الأمور إلى الحديث عن الانسحاب من حلف الناتو واتفاقيات المناخ والصحة وغيرها. وهذا كله أثر على ائتمانية واشنطن السياسية، بالتالي يتطلب منها تغييرات جوهرية تضمن مناعة من كل هذه التقلبات في المستقبل.
في إسرائيل، هناك يمين منتشٍ بما يعتبره إنجازًا تاريخيًا يتمثل في نجاحه في إبعاد الأخطار الرئيسية عنه مثل حماس وحزب الله والنظام السوري، بالإضافة إلى سعيه الوقح إلى تثبيت شعار التهجير أمام العالم وكأنه عمل أخلاقي شرعي اضطرت له إسرائيل بعد السابع من أكتوبر.
في الأردن، لا بد من تبديلات وإحلالات سريعة على الساحة السياسية، فهناك حاجة مُلحّة لتمثيل التيار الوطني الداعم للهوية الوطنية بصبغته الشبابية في جميع المجالات -دون إغفال دور الخبراء داخل هذا التيار ممن يؤمنون بأن الهوية الأردنية تتعرض لهجوم ومحاولة اختطاف خدمة للمشاريع التصفوية التوطينية-. وأول إجراء مطلوب من الدولة هو المساهمة في رفع مطرقة الاتهامات بالإقليمية والفئوية والعنصرية عنه، فما نراه من محاولات جادة لتمييع ثوابتنا يحتاج إلى الكثير من العمل؛ فالتيارات والشخصيات الوطنية الكلاسيكية التي أنتجتها الدولة طوال عقود لتفريغ الاهتزازات القادمة من الخارج أثبتت أنها في أزمة خلال تعاملها مع هذا المشهد الديناميكي الفريد، وأثبت الركن الآخر المتمثل بقدرة الإخوان والقوميين على التحشيد أنه هناك حالة ابتزاز للدولة خصوصًا عند المنعطفات.
صحيح أن الخرائط السياسية في الدول تتكون بشكل تلقائي على ضفاف الأحداث المهمة دون الحاجة لاستيلادها، لكن هذا الطرح يصلح في الدول التي تعيش وضعًا طبيعيًا ولا يجاورها احتلال مدعوم بشراسة من أقوى دولة في العالم ولا تهدد هويتها صباح مساء من الداخل والخارج، لذلك وببساطة، لا بد لنا من العمل على تقوية الروابط بين أجزاء الجسم الحزبي الجديد في الأردن، وإخضاع هذه التجربة للانتخاب السياسي الطبيعي بحيث يخرج الضعيف ويبقى القوي منه، وهذه العملية ستتم في وسط البيئة السياسية والاجتماعية الجديدة التي أسس لها الحديث الجريء عن التحديات التي تواجه هويتنا الوطنية. وهذا كله لن يتم إلا بفهم واضح للأخطار المحدقة، والاتفاق بين الفاعلين على أن الدولة الوطنية الأردنية بهويتها وخصوصيتها وكينونتها هي الدرع الواقي لمواجهة القادم.
يمكن استغلال حالة الزخم الحزبي الحالية لإنتاج طبقة أخرى من طبقات الحماية ضد الهجمات اليمينية (الأمريكية والإسرائيلية) سواء الراهنة أو المتوقعة، حيث تنمو هذه الحالة في بيئة جديدة واعية مرتبطة بالشأن الأردني حصرًا وترى الخارج بعيون مصالحه فقط.