نبض البلد -
حسام الحوراني
التنافسية العالمية أصبحت اليوم أكثر تعقيدًا وشمولًا في عصر يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي. الدول العربية، التي تشهد تحولات اقتصادية واجتماعية هامة، تجد نفسها أمام فرصة غير مسبوقة لاستخدام هذه التقنيات لتحقيق الريادة الإقليمية وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو محرك أساسي للتغيير يمكن أن يعيد تشكيل الاقتصادات والمجتمعات بطرق لم تكن ممكنة من قبل.
الدول العربية تمتلك العديد من المقومات التي تجعلها مؤهلة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنافسية العالمية. فمن جهة، تزخر هذه الدول بشريحة واسعة من الشباب المؤهلين والطموحين، والذين يمكن أن يكونوا القاعدة البشرية اللازمة لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها. ومن جهة أخرى، تمتلك العديد من الدول العربية موارد مالية كبيرة يمكن استثمارها في تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز البحث والابتكار.
ولكن لتحقيق الريادة الإقليمية، تحتاج الدول العربية إلى استراتيجية متكاملة تركز على بناء القدرات وتطوير البيئة الداعمة للذكاء الاصطناعي. هذه الاستراتيجية يجب أن تشمل الاستثمار في التعليم والتدريب لتأهيل الكفاءات البشرية، بالإضافة إلى دعم البحث العلمي وإنشاء مراكز متخصصة في الذكاء الاصطناعي. مثل هذه الخطوات يمكن أن تحول المنطقة إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار، مما يعزز من تنافسيتها في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، الصحة، النقل، والخدمات المالية.
إلى جانب البنية التحتية، يتعين على الدول العربية تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول تقنية تلبي احتياجات الأسواق المحلية والدولية. الشركات الناشئة في المنطقة يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في هذا الصدد، حيث تتميز بقدرتها على الابتكار السريع وتقديم حلول تقنية مرنة. الدعم الحكومي لهذه الشركات، سواء من خلال التمويل أو من خلال تسهيل الإجراءات التنظيمية، يمكن أن يسرع من وتيرة التطوير ويعزز من تأثير الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد.
التحديات ليست غائبة، ولكن يمكن تجاوزها بالإرادة والعمل المشترك. من أبرز هذه التحديات ضعف البنية التحتية في بعض الدول، والحاجة إلى تحسين الإطار التنظيمي الذي يضمن الاستخدام الآمن والأخلاقي للتكنولوجيا. التعاون الإقليمي يمكن أن يكون أحد الحلول لهذه التحديات، حيث يمكن للدول تبادل الخبرات والمعرفة وتطوير مشاريع مشتركة تعزز من تنافسيتها على المستوى العالمي.
الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أيضًا أداة فعالة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية. من خلال تحسين كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز الابتكار في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في بناء اقتصادات قوية ومستدامة تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بمستقبل الأجيال القادمة.
في النهاية، التنافسية العالمية لم تعد تعتمد فقط على الموارد التقليدية مثل النفط أو المعادن، بل أصبحت تعتمد بشكل كبير على القدرة على الابتكار وتبني التقنيات الحديثة. الذكاء الاصطناعي هو المفتاح لتحقيق هذه التنافسية، والدول العربية لديها فرصة ذهبية لتوظيفه في بناء مستقبل أكثر إشراقًا وريادة في المنطقة والعالم.